في صباح 22 يوليو 2025 الفائت ، طوى الموت صفحة أحد أكثر نجوم الروك إثارة للجدل والغموض، أوزي أوزبورن، عن عمر ناهز 76 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض ، رحل أوزي بعد 17 يوماً فقط من وقوفه الأخير على المسرح في حفل حمل عنوان "عودة للبداية" Back to the Beginning في مدينة برمنغهام البريطانية، والذي تحوّل - من دون أن يدري الجمهور - إلى وداع حي لرجل كان يقف على تخوم الحياة والموت منذ عقود.
واليوم في الثلاثين من الشهر ذاته سارت جنازته في شوارع مدينته الأم، وسط موكب موسيقي جنائزي مرّ عبر جسر بلاك سابات Black Sabbath الرمزي، كأن روحه كانت تُشيع في احتفال صوفي صاخب، لا عزاء فيه... بل طقوس تليق بـ"أمير الظلام".
من هو أوزي أوزبورن ؟
ولد جون مايكل "أوزي" أوزبورن في مدينة برمنغهام عام 1948 ليصبح لاحقاً رمزاً أسطورياً في موسيقى الهِيفي ميتال Heavy Metal عبر فرقته الشهيرة السابات الاسود Black Sabbath التي أسسها في نهاية الستينيات.
عرفه العالم بلقب أمير الظلام Prince of Darkness، ليس فقط بسبب موسيقاه ذات الطابع القاتم والشيطاني، بل لأنه عكس في شخصيته صراعاً دائماً مع الهويات الخفية، والهواجس، والإدمان، والأعماق النفسية المظلمة ، تنوعت أعماله بين الغرائبي والصوفي والاحتجاجي، لكنه ظل وفياً لخط روحي غامض يغلفه الرماد والضباب .
كانت بعض الجماعات تتهمه علناً بـ"عبادة الشيطان"، ورغم نفيه المستمر لذلك إلا أنه لم يُخفِ اهتمامه الشديد بعوالم ما وراء الطبيعة.
تجاربه مع الماورائيات: الظلال التي لم تفارقه

منزل "مسكون"
في إحدى مقابلاته مع مجلة رولينغ ستون Rolling Stone تحدث عن قصر قديم سكنه في باكينغهامشير، حيث كانت الأبواب تُفتح من تلقاء نفسها، وتُسمع فيه أصوات بكاء ليلي رغم خلوه ، وصف أوزي تجربته بأنها: " ليست خيالاً ولا هلوسة… بل كأن شيئاً ينتظرني خلف كل باب."
رؤى خارج الجسد
خلال إحدى أزماته الصحية في التسعينات، ومع اقترابه من الموت بسبب تعاطي جرعة زائدة، قال إنه رأى جسده من الأعلى، وأحس بانفصال روحه كأنها "مشاهد ختامية لفيلم لا يدري متى ينتهي".
حادثة الخفاش الحي
وفي أشهر لحظاته المثيرة للجدل، عضّ رأس خفاش حي خلال حفل عام 1982، معتقداً أنه لعبة ، الحادث ورغم طرافتها المأساوية صنعت رمزيته ككائن يعيش على حدود الأسطورة والخوف.
أغنية سيد كراولي
من بين أعماله العديدة، تبقى أغنية سيد كراولي Mr. Crowley الصادرة عام 1980 التمثيل الأصدق لعلاقة أوزي بالماورائيات ، حين تتحول الأغنية إلى استحضار
من هو السيد كراولي ؟
الأغنية موجهة إلى أليستر كراولي، الساحر البريطاني الشهير، ومؤسس ديانة "ثيليما" الباطنية، الذي لُقّب بـ"أكثر رجل شراً في العالم" ، كانت حياة كراولي حافلة بطقوس الاستحضار والتواصل مع كيانات غير مرئية، وهو ما ألهب خيال أوزي، فكتب هذه الأغنية التي تبدو أقرب إلى استدعاء طقسي موسيقي.
مقتطفات من كلمات الأغنية
Mr. Crowley, did you talk to the dead ?
يا سيد كراولي، هل كنتَ تتحدث مع الأموات؟
You fooled all the people with magic...
You waited on Satan's call.
لقد خدعتَ الناس بالسحر… ولبّيتَ نداء الشيطان.
الأغنية تطرح أسئلة أكثر مما تجيب، وكأنها محاولة لالتقاط الصدى الأخير من روح كراولي، أو حتى تقمصها.
بين المسرح والمذبح
بعض النقّاد اعتبروا أن أوزي أوزبورن لم يكن مغنياً فقط، بل شبه كاهن مسرحي يؤدي طقوساً جماهيرية ترتكز على الخوف، التمرد، والبحث في المجهول ، ولذا، لا يمكن التعامل مع إرثه كأنه موسيقى فقط، بل هو ظاهرة ثقافية روحية غامضة تستحق الدراسة كامتداد للمسرح الطقوسي والسحر الشعائري.
حين وقف أوزي للمرة الأخيرة على المسرح في يوليو 2025، جلس على عرشٍ رمزي كأنه "ملك مات حياً"، يلوح للجمهور بابتسامة تعرف أنها الأخيرة ، وما بين الموسيقى، والظلال والصمت، غادر الرجل الذي جعل الخوف فناً... والظلام لغة.
" أحيا كأنني شبح... وربما كنت كذلك فعلاً "
هكذا وصف أوزي أوزبورن نفسه في إحدى مقابلاته المتأخرة، بعد حياة صاخبة حافلة بالإدمان، الموسيقى السوداوية، والرؤى الماورائية.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .