26 يوليو 2025

السوداء: سيدة الطقوس السفلية في السحر العربي

السوداء - استحضار في أعمال السحر السفلي - شيطانة
إعداد :  كمال غزال

في عالم الطقوس السفلية والمعتقدات الشعبية، تقف شخصية "السوداء" باعتبارها واحدة من أكثر الكيانات الجنية الأنثوية رهبة وغموضاً في التراث العربي والإسلامي. 

لم تكن "السوداء" مجرد خرافة عابرة أو ظاهرة محدودة النطاق، بل تحولت إلى رمز جمعي للرعب والخراب، تتجلى في الكوابيس والأمراض النفسية وفواجع النساء، ويُنسب إليها كل أذى غامض يصعب تفسيره.


هويتها وظهورها في كتب السحر

مع أن السوداء ليست ملكة من ملوك الجن السبعة، ولا ورد ذكرها ضمن التصنيفات العليا في كتب السحر، إلا أنها تُعد واحدة من أخطر الكائنات السفلية التي تستحضر لأهداف تخريبية محضة ، ورغم تكرار نسبها إلى إبليس كادعاء أنها " السوداء ابنة ابليس" ، فلا يوجد دليل مباشر من كتب السحر الأصلية على أنها من "ذرية إبليس" بل تبدو هذه النسبة رمزية لتعظيم خطرها، إذ يشير وصفها إلى شيطانة مدمّرة خارجة عن كل الضوابط ، تسمية "السوداء" تعكس طبيعتها أكثر من نسبها: كيان ظلامي، عدمي، لا يحمل وجهاً بل ظلاً.

"السوداء" هي كيان سفلي من المردة، أنثى شيطانية عدوانية، ترتبط بالخراب والإجهاض والتفريق. لونها رمزي: سواد روحاني ونفسي وليس فقط شكلي ، تظهر في الأحلام كأنثى بوجه مشوه أو بعيون فارغة، وأحياناً بهيئة حيوانات ليلية مثل القط الأسود أو البومة. وتُعرف في طقوس الاستحضار بأنها تكره الضوء، وتُستدعى في الأماكن المظلمة، في زمن الفجر أو منتصف الليل.

قد تكون "السوداء" شخصية مركبة نُسجت من تراكمات طقسية وخرافية عن كيانات نسائية مرعبة مثل "الغولة" في شمال إفريقيا و"بت الليل" في السودان و"المرأة التي تمشي بلا وجه" في الخليج ، هذه الصور جميعاً تجتمع في "السوداء" كأرشيف جمعي لرهبة الأنثى الخارجة عن النظام، الأنثى المظلمة، المعاقِبة، التي تسكن الزوايا الميتة.

وردت السوداء بأسماء عدة في كتب السحر العربية، أشهرها "أم الصبيان" و"التابعة" و"بنت الريح" ، في كتاب شمس المعارف الكبرى لأحمد البوني، نجد إشارات إلى التابعة بوصفها روحاً أنثوية شيطانية تتسبب في الإجهاض وخراب البيوت. أما في الرحمة في الطب والحكمة المنسوب إلى جلال الدين السيوطي، فتُفرد فصول كاملة لوصف أهوالها، بل وتنقل الروايات القديمة عن مواجهتها مع النبي سليمان، حيث فرض عليها "عهوداً سبعة" لتحصين الناس من أذاها ، يُذكر عنها في هذه الكتب: " ناشرة شعرها، فاتحة فمها، يخرج من بين أسنانها نيران، ومن أنفها دخان..."، وتدّعي أن لها أربعة وعشرين اسماً، مما يعكس كثرة تجلياتها وخطورة التعامل معها.

عنصرها وكوكبها وزمنها

عنصرها هي نار أو هواء مسموم، وغالباً ما تُوصف بأنها "بنت الريح" ، أما كوكبها فهو زحل رمز السحر الأسود، الكآبة، الموت الرمزي ، ويومها المفضل: السبت أي يوم الطاقات الثقيلة والسفلية.

طقوس استحضارها

تعد طقوس استحضار "السوداء" من أخطر ما يمارس في السحر السفلي ، فهي تتطلب مكان مغلق ومظلم تماماً ، بخور نفاذ مثل الحرمل أو اللبان ، رسم طلاسم على الأرض (خاتم سليمان معكوس، نجمة خماسية سوداء) ، تلاوة عزائم بلغات مقلوبة أو سريانية  وتقديم قربان ، غالباً دجاجة سوداء أو تيس أسود ، يُقال إنه مع نجاح الاستحضار يشعر الساحر بريح باردة، ويسمع خفق جناح، وقد يرى عينين تتوهجان في الظلام ، لكن أي خلل في الطقس قد يؤدي إلى انقلابها عليه، فتُصيبه باكتئاب دائم أو وسواس قاتل.

تُستدعى "السوداء" غالباً في طقوس السحر السفلي (السحر الأسود) وليس في السحر الروحاني أو الأبيض ولا تذكر صيغتها الكاملة عادة في كتب السحر المعلنة خوفاً من آثارها.

وهناك طقس شائع يُروى عنها: في غرفة مظلمة تُوقد شمعة سوداء واحدة أمام مرآة مغطاة بقماش أسود وتُتلى تعويذات زحل القديمة باللغة السريانية أو النبطية ويُطلب من المستدعي أن يترك قطرة دم من إصبعه على قماش أبيض مرسوم عليه طلاسم للربط أو الكسر ، ويُحذر من النظر مباشرة في المرآة حين يبدأ الهواء بالثقل أو سماع الهمس ، وعلامات اقترابها تتجلى بتشقق الجدران المفاجئ وظهور الرطوبة الباردة رغم الجو الحار وخيال أسود يتحرك خارج مجال الرؤية وهمس نسائي طفولي يأتي من الزوايا أو تحت السرير.

وقد نشر موقع ما وراء الطبيعة قصة واقعية رواها الباحث عمر محروس عن استحضارها وكانت بعنوان :  استحضار السوداء بنت إبليس .

استخداماتها في السحر

"السوداء" لا تُستدعى إلا لأغراض خبيثة ودنيئة أو شديدة الشر وتهدف إلى إسقاط الأجنة  وهو أكثر ما تُعرف به، حيث تتهم بأنها وراء حالات الإجهاض الغامضة، ودورها في تعطيل الزواج حيث تُزرع الطاقات السلبية حول فتاة لتمنع كل خاطب ، والربط الجنسي حيث تُستخدم لإحداث نفور بين الزوجين، أو عجز جنسي غامض  ، أو التفريق بين الأزواج حيث تتسبب في شجارات ونفور تنتهي فيه العلاقة ، إضافة إلى دورها في الإيذاء العام كإرسال أمراض نفسية أو بدنية لا تفسير لها.

عدو لدود للمرأة

تُعتبر السوداء العدو اللدود للمرأة في التراث الشعبي حيث تُلاحق النساء الحوامل أو الجميلات وتُصيب المرأة بوسواس الحمل، أو تتسبب في نفور الزوج وتُرى في الأحلام كمخلوقة تزحف على البطن أو تضحك بصوت طفولي مخيف ولهذا ارتبطت طقوس النساء التقليدية بمقاومتها مثل تعليق الأحجبة وإقامة حفلات الزار لطردها أو تبخير الطفل بالميرمية أو الحبة السوداء ، وتترواح وسائل الوقاية منها  : قراءة آية الكرسي والمعوذات ، وضع المصحف قرب المهد ، تجنب المرايا المكشوفة في غرف النوم ، حجاب "عهود أم الصبيان".

شهادات واقعية

في العراق، روت امرأة أنها كانت ترى في نومها امرأة تغني بصوت طفولي وتمسك بطنها، ثم استيقظت وقد أُجهض جنينها.
في السودان، تُعرف باسم "بت الليل" وتُروى عنها حكايات عن نساء اختفين فجأة.
في المغرب، تُنسب إليها أصوات ليلية غريبة في الزوايا المظلمة، تنادي باسم النساء.

قصة ترويها رُبى من الموصل

امرأة في العشرينات أصيبت بنوبات كآبة حادة بعد إجهاض مفاجئ لجنينها الأول. تقول والدتها: " منذ تلك الليلة، باتت ابنتي تسمع أغنية مشوّهة لطفلة تقول: (رجّعيني... رجّعيني)... وتراها في الحلم، سيدة سوداء تضع يدها على بطنها، وتضحك." ، شيخ معروف في المنطقة أشار إلى أنها "السوداء" وقد استدعيت لها عن طريق غيرة نسائية.

قصة من الريف المغربي

في أحد القرى الجبلية، روت سيدة عجوز أن "السوداء" زارت جارتها بعد أن قامت الأخيرة بعمل "الربط" لزوجة أخيها، تقول: " كانت الجارة تسمع اسمها يُنادى ليلاً من الزاوية، وتشم رائحة دخان شعبي محترق رغم عدم وجود نار، ثم بدأت ترى شعراً أسود يخرج من الحنفيات."


ارتباطها بأساطير وأديان أخرى

رغم أنها محلية في طابعها العربي، إلا أن هناك تشابهاً بينها وبين كيانات في تقاليد أخرى ، لدى اليهود تشبه كيان يدعى ليليث وتلقب بـ "أنثى الليل المتمردة" ، وفي ثقافة شعب الزولو تشبه لوا "إرزولي دانتور" وهي روح أنثوية مظلمة وقاسية ، وفي أوروبا الشرقية تشبه "مورانا" وهي آلهة الموت والشتاء ، وفي آسيا الوسطى تدعى "القرينة"  وهي كيان أنثوي يصيب النساء عند النوم.

تحذير : التورط مع "السوداء" هو عبور خط أحمر لا رجعة فيه

من أراد السلامة النفسية والروحية، فليحذر من مجرّد التفكير في خوض هذا المسار (أي استحضارها)، هذا التحذير لا يُمثل تشجيعاً أو موافقة على ممارسة السحر، بل هو توثيق ثقافي مبني على التراث الشعبي والكتب القديمة، ولا يغني عن الالتزام الديني والأخلاقي.

إن ممارسة الشعوذة والسحر وإيذاء الناس  - سواء بالاستعانة بالجن، أو من خلال طقوس استحضار كيانات مظلمة كـ"السوداء" حرام شرعاً في الإسلام، وهو من أشد الكبائر التي ورد فيها وعيد شديد في القرآن الكريم والسنة النبوية، وترفض تماماً في جميع الأديان السماوية.


وفي الختام ، تُعد "السوداء" تجسيداً  للجانب الأنثوي المظلم في الموروث السحري العربي، وهي انعكاس لمخاوف المجتمع من القوى الخفية التي تهدد النساء والأطفال والحياة الأسرية سواء كانت حقيقة أو إسقاطاً نفسياً جماعياً، فإن أثرها ما زال حاضراً في الطقوس والكوابيس والحكايات الشعبية إلى اليوم.



إقرأ أيضاً ...

- أبرز شخصيات الجن في طقوس السحر العربي

- استحضار السوداء بنت إبليس

- الماورائيات وفترة الحمل: بين أساطير الجن وتفسيرات العلم

- أبو محرز الأحمر: سيد النار والدم

الملك طارش: خازن الكنوز المرصودة وسيد العمار

- ميمون السحاب : جن طيار يركب الغيم ويكشف الأسرار
شمهروش قاضي الجن : بين السحر والقداسة

- استخدام النباتات  في طقوس السحر والشعوذة

- الحيوانات في طقوس السحر والشعوذة

طهطائيل وخدام الحروف السبعة

طقوس كناوة : إحتفالية ملوك الجن

- شمس المعارف الكبرى : أبرز مرجع "إسلامي" في الشعوذة

- الكيانات الخفية : بين التسخير والانسجام
كتاب "مفتاح سليمان" : أبرز مرجع في الشعوذة الغربية

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ