11 أكتوبر 2025

شبح جورج واشنطن في معركة غيتيسبيرغ

شبح واشنطن : الظهور الذي زعم أنه ألهم المقاتلين في معركة غيتسبرغ
إعداد : كمال غزال
في منتصف القرن التاسع عشر كانت الولايات المتحدة على وشك أن تُفنى بيد نفسها.

انقسمت البلاد إلى شمال وجنوب، إخوة في الوطن أصبحوا أعداء في الميدان، والسماء الأميركية التي وُلِدت على مبادئ الحرية والمساواة غدت ملبدة بدخان الحرب الأهلية (1861–1865)، وهي أشرس حرب شهدتها الأرض الجديدة منذ قيامها.

كانت المعركة الحاسمة تدور في مدينة صغيرة تُدعى غيتيسبيرغ بولاية بنسلفانيا، صيف عام 1863، حين تلاقت جيوش الاتحاد (الشمال) مع جيوش الكونفدرالية (الجنوب) في صدام دامٍ استمر ثلاثة أيام، سقط فيه أكثر من خمسين ألف رجل بين قتيل وجريح. 

هناك، وسط أصوات المدافع وصراخ الجرحى، حدث ما سيبقى في ذاكرة الأميركيين كأحد أكثر المشاهد غموضاً وإثارة في تاريخهم الحربي:

قيل إن ملاكاً أسود ظهر للجنود الاتحاديين في لحظة يأسهم، وأنهم أدركوا بعد ذلك أنه لم يكن ملاكاً بالمعنى السماوي، بل روح جورج واشنطن مؤسس الجمهورية الأميركية وأول رئيس لها، عادت من وراء الغيب لتشد أزرهم وتحثهم على الصمود.

كانت تلك الرواية الشرارة التي ربطت بين الحرب الأهلية وبدايات قيام الأمة نفسها، بين مؤسسها الذي مات منذ ستين عاماً والجنود الذين يقاتلون ليحفظوا ما بناه. 

ومنذ تلك الليلة الغامضة في غيتيسبيرغ، بقي السؤال يتردد:

هل حقاً عاد واشنطن من العالم الآخر ليحمي الاتحاد ؟

وهل كانت وفاته في الأصل نهاية طبيعية أم أن فيها سراً لم يُكشف بعد ؟

ظل في ساحة المعركة

تقول الرواية إن الجنود في الصفوف الأولى من جيش الاتحاد كانوا على وشك الانهيار. الرصاص ينهمر كالمطر، وصرخات القادة تتلاشى وسط ضباب البارود. 

في تلك اللحظة، رأى بعضهم من بعيد رجلاً يقترب راكباً جواداً أبيض، بردائه العسكري القديم، وسيفه اللامع المرفوع نحو السماء.

كان مظهره مختلفاً عن كل القادة، وجهه صارم، عيناه تلمعان كجمرتين في العتمة. تقدّم بخطوات هادئة وسط النار، وصوته يتردد: «إلى الأمام أيها الرجال، فالاتحاد لن يسقط ! »

يقال إن أحد الضباط، مذهولًا من المشهد، همس لرفيقه:

— " أترى ما أرى؟ "

— " نعم… إنه يشبه جورج واشنطن ! "

اندفع الجنود خلفه كأن قوة خفية دفعتهم إلى النهوض من رماد الخوف. وعندما انتهى الغبار، لم يجدوا له أثراً. لكنهم وجدوا المعركة قد انقلبت لصالحهم، وكأن النصر كان يرافق ذلك الظهور الغامض.

ومنذ ذلك اليوم، ظل الجنود الذين نجوا يقسمون أنهم رأوا شيئاً يفوق التفسير. بعضهم قال إنه ملاك مظلم بوجه أبيض لامع، وبعضهم قال إنه روح الأب المؤسس، تعود في لحظة الخطر لتحمي أبناءها.




الأب الذي لم يغادر وطنه

كان جورج واشنطن بالنسبة للأميركيين أشبه بما هو صلاح الدين للعرب أو الإسكندر الأكبر للإغريق: رمز تأسيس الأمة. 
مات في ديسمبر عام 1799 في مزرعته بـ«ماونت فيرنون»، بعد إصابته المفاجئة بالتهاب حاد في الحلق.

في تلك الليلة، تدهورت حالته سريعاً. الأطباء، بجهل الطب في ذلك الزمن، سحبوا من دمه نحو لترين كاملين في محاولات لخفض الحرارة. لكن الدم الذي نُزف منه كان أثمن من أي علاج، إذ فقد وعيه تدريجياً حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يهمس لخادمه الوفي: «كل شيء حسن الآن».

غير أن موته لم يمر دون همسات. هناك من قال إن واشنطن لم يمت مريضاً بل مقتولاً، وإن أحد أطبائه أفرط عمداً في نزف دمه بدافع الحسد أو بأمرٍ سياسي، لئلا يعود الرجل إلى الحكم في ظل اضطراب بعد ولايته الثانية.

لم يُثبت شيء من ذلك قط، لكن الغموض بقي يُحيط بتلك الساعات الأخيرة التي غادر فيها الرجل الحياة فجأة، كأن شيئاً ما لم يُكتمل بعد.

وقيل أيضاً أن واشنطن كان يتمتع بنوعٍ من الحدس الغريب؛ إذ كتب قبل وفاته بسنوات أنه يخشى أن تنقسم بلاده ذات يوم بسبب العبودية، وأن «أبناء الاتحاد سيقاتلون بعضهم بعضاً على أرضٍ واحدة». وعندما اندلعت الحرب الأهلية عام 1861، بدا كأن نبوءته القديمة تحقّقت حرفياً ، إقرأ المزيد عن رؤى واشنطن التنبؤية

فهل كان ظهور روحه في غيتيسبيرغ استمراراً لذلك الارتباط الغامض بينه وبين مصير أمته ؟

واشنطن بعد الموت

منذ معركة غيتيسبيرغ، تحوّل الموقع إلى مزار وطني، ولكن أيضاً إلى مسرح لروايات غريبة. هناك من أقسم أنه رأى رجلاً بزيّ القرن الثامن عشر يعبر بين القبور، ومن سمع صوتاً عميقاً يردد عبارات عن الحرية والوحدة.

بعض الزوار تحدثوا عن رائحة غريبة من التبغ والجلد ترافق هذا الظهور، وهي الروائح التي عُرفت عن واشنطن نفسه في حياته.




أما أكثر المشاهد تكراراً، فهو شبح فارسٍ يمر سريعا في منتصف الليل فوق التلال، يرفع يده نحو الشرق ثم يتلاشى في الضباب.

وفي كل مرة يُروى هذا المشهد، يُقال إن المعركة التي حسمت وحدة البلاد لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل أيضاً حدثاً روحياً جمع بين الماضي والمستقبل، بين مؤسس الدولة وأحفاده الذين حافظوا عليها.

التحول من الأسطورة إلى الرمز

ربما لم يكن «الملاك الأسود» سوى تجسيد جمعي للأمل في لحظة من اليأس، أو وهماً مشتركاً صنعه الخوف والحنين. لكن في وعي الأميركيين، أصبح رمزاً دائماً: أن روح واشنطن لم تفارقهم قط.

يقول بعض المؤرخين إن الأسطورة انتشرت بعد الحرب كوسيلة لإضفاء معنى مقدس على نصرٍ دموي، بينما يراها المؤمنون بالماورائيات دليلاً على أن الطاقة الروحية للمؤسس بقيت تحرس الأمة حتى بعد موته.


وبغض النظر عن التفسير، يبقى المشهد في غيتيسبيرغ قائماً في الذاكرة: مدينة صغيرة شهدت جحيم الحرب، ويُقال إن أطياف المقاتلين لا تزال تظهر فيها حتى اليوم.

الزوار يسمعون وقع الخطى بين التلال، أنين الجرحى في الريح، وظلالاً تلمع فجأة فوق الحقول قبل أن تختفي… كما لو أن الأرض نفسها لم تنسَ من سقطوا عليها.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ