في قلب وادي اللوار الساحر في فرنسا، تقف قلعة بريساك Château de Brissac كأطول قلعة في البلاد، تجمع بين الفخامة الملكية والغموض الماورائي. فبين جدرانها الشاهقة التي تعلو لسبعة طوابق، تتشابك حكايات النبلاء مع أساطير الأشباح، لتصنع وجهة تجمع عشاق التاريخ ومحبي الرعب على حد سواء.
أسطورة السيدة الخضراء
من بين أسوار القلعة المهيبة، تبرز أسطورة السيدة الخضراء La Dame Verte التي تُعد من أكثر قصص الأشباح شهرة في فرنسا ، تقول الرواية إن السيدة الخضراء هي شارلوت دي بريزي، الابنة غير الشرعية للملك شارل السابع وعشيقته الشهيرة أجنيس سوريل ، تزوجت شارلوت من جاكوب دي بريزي، لكن الأخير اكتشف خيانتها مع أحد الصيادين المقربين منه ، في ليلة من عام 1477، انفجر غضب جاكوب وقتل شارلوت وعشيقها في برج القلعة، لتغدو دماؤهما جزءاً من تاريخ المكان.
منذ تلك الليلة، يُقال إن روح شارلوت لم تغادر القلعة أبداً، حيث شوهدت تتجول مرتدية ثوباً أخضر باهتاً، وجهها مشوه بلا ملامح واضحة، وكأنها تبحث عن حبيبها الضائع أو تنتقم من قاتلها.
يُسمع أحياناً أنين حزين وصراخ مكتوم في أرجاء القلعة، خصوصاً في غرفة البرج حيث وقعت الجريمة، ما يزيد الأسطورة غموضاً ورعباً.
بعض المؤرخين يشيرون إلى أن القصة ربما صيغت لاحقاً لأغراض ترويجية، لكن غياب الأدلة القاطعة وعدم توقف الروايات الشعبية يجعل الأسطورة حية في وجدان الناس.
نشاط ماورائي لا يتوقف
العديد من زوار القلعة تحدثوا عن ظواهر غير مفسرة:
- أصوات خطوات غير مرئية في الممرات الحجرية.
- أبواب تُفتح وتُغلق بمفردها.
- ومضات ضوء خافتة تظهر وتختفي فجأة.
- شعور ببرودة حادة في أماكن محددة، خصوصاً قرب البرج القديم.
بعض الزوار أكدوا أنهم سمعوا صرخات حادة أو أنيناً حزيناً في منتصف الليل، بينما ذكر آخرون رؤيتهم ظلالاً سريعة تختفي بمجرد النظر إليها مباشرة حتى الموظفين في القلعة يروون قصصاً عن أصوات لا تفسير لها، ما يعزز سمعتها كأحد أكثر القلاع "مسكونة" في فرنسا.
لمحة تاريخية
يعود تاريخ القلعة إلى القرن الحادي عشر حين أمر فولك الثالث (فولك نيرا)، كونت أنجو، ببنائها كحصن دفاعي استراتيجي ، في القرن الخامس عشر، أعيد بناؤها بالكامل على يد الوزير الملكي بيير دي بريزي أثناء حكم الملك شارل السابع، لتصبح مقرا بارزًا للعائلة النبيلة ، في عام 1589، استولى عليها الملك هنري الرابع، ثم أعادها لعائلة كوسي، ومنحهم لقب دوق بريسّاك وميزانية ضخمة لتجديدها ، شهدت القلعة أحداثاً سياسية بارزة، منها اجتماع الصلح بين الملك لويس الثالث عشر ووالدته ماري دي ميديشي عام 1620.
خلال الثورة الفرنسية، تعرضت القلعة للنهب والدمار عام 1792، قبل أن تُرمم بشكل كامل في منتصف القرن التاسع عشر بتمويل من العائلة المالكة نفسها ، اليوم، ما تزال قلعة بريسّاك ملكًا لعائلة كوسي-بريسّاك، وتفتح أبوابها أمام الجمهور، لتكون واحدة من أهم المعالم التاريخية والسياحية في فرنسا.
البعد السياحي: الرعب كعامل جذب
قلعة بريسّاك لا تكتفي بتاريخها المعماري المدهش، بل تستثمر أسطورة السيدة الخضراء لجذب عشاق الرعب.
جولات ليلية: تُنظم القلعة جولات مسائية تعتمد على إضاءة الشموع، حيث يروي المرشدون قصص الأشباح وسط أجواء مرعبة.
فعاليات خاصة: خلال موسم عيد الهالوين، تُقام عروض تمثيلية تحاكي أسطورة السيدة الخضراء، ما يجعلها تجربة استثنائية لمحبي المغامرات.
إقامات فاخرة: يمكن للزوار المبيت في القلعة، وهو ما يمنحهم فرصة لاختبار الأسطورة بأنفسهم، خاصة في الغرف القريبة من البرج حيث يُقال إن شبح السيدة الخضراء يظهر.
بين الأسطورة والحقيقة
تظل قلعة بريسّاك أكثر من مجرد صرح معماري. فهي مكان تتقاطع فيه قصص الحب والخيانة، التاريخ والدماء، الأسطورة والواقع، سواء كنت مؤمناً بوجود الأشباح أو تعتبرها مجرد خيال شعبي، فإن زيارة القلعة تمنحك تجربة فريدة، حيث يمكن أن تشعر للحظة أن الماضي ما زال ينبض في كل زاوية، وأن صدى صرخات السيدة الخضراء يواصل الارتداد بين جدرانها العالية.
نبذة عن كمال غزال

0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .