5 نوفمبر 2025

ضريح أمير حمزة في أفغانستان

ضريح أمير حمزة في أفغانستان - كرامات الأولياء - ظواهر غامضة
إعداد : كمال غزال
في قلب ولاية هلمند الأفغانية، وسط صحراء موحشة تتناثر فيها بقايا الحروب القديمة، يقف ضريح صغير متهالك يُعرف باسم ضريح أمير حمزة. 

مكان يختلط فيه التاريخ بالمقدس، والإيمان الشعبي بالحكايات التي تتجاوز المنطق.

هذا المرقد، الذي يزوره الناس طلباً للبركة، تحول بمرور العقود إلى نقطة محورية للأساطير والظواهر الماورائية التي يتداولها الأهالي والجنود على حد سواء.


أصل الضريح وغموض الهوية

لا يُعرف على وجه الدقة من هو (أمير حمزة) الذي يحمل الضريح اسمه. مع هذا تشير روايات إلى أنه رجل صالح مجهول النسب عاش في العصور القديمة، وربما أحد الأولياء المحليين الذين اشتهروا بالكرامات. كما يعتقد البعض أنه قائد قبلي قديم أو زعيم جهادي قُتل في أثناء الحرب السوفييتية على أفغانستان.

ورغم تضارب هذه الروايات، إلا أن الجميع يتفق على أن الضريح قائم منذ قرون، وأن البلدة المحيطة تُعرف باسمه – قرية أمير آغا – وأن المكان يُعد من أقدم المواقع المقدسة في الجنوب الأفغاني.

الموقع والوصف

يقع الضريح فوق تلة صخرية في وادي كرمسير، ويُحيط به سياج معدني أخضر، فيما تتناثر الكتابات البشتونية على جدرانه التي تآكل طلاؤها بفعل الزمن.

في الداخل، يستقر شاهد حجري طويل منقوش عليه آيات قرآنية باهتة، وتغطيه طبقات من الغبار والشموع الذائبة التي يتركها الزوار. ورغم بساطة البناء، إلا أن حضوره في الوعي الشعبي ضخم ومهيب.

يصف أحد الزوار المشهد قائلاً: "حين تصعد التل، تشعر وكأن الهواء يختلف هناك، كأنك تدخل حدود عالم آخر."

الأساطير والظواهر الغامضة

لم يكتسب ضريح أمير حمزة شهرته من تاريخه فحسب، بل من القصص التي تُروى عنه. فخلال الغزو السوفييتي لأفغانستان في الثمانينيات، يقال إن دبابات روسية حاولت التقدّم نحو الضريح لكنها غرزت في الوحل فجأة ولم تتحرك، ما اعتبره السكان «معجزة» ناتجة عن بركة الأمير حمزة.

كما تنتشر قصة أخرى تقول إن قنبلة أطلقتها القوات الروسية نحو التلة دخلت غرفة الضريح لكنها لم تنفجر، ثم خرجت من الجهة الأخرى لتنفجر في مكان بعيد، وكأن قوى خفية صدّتها عن إيذاء القبر.

أما في السنوات الأخيرة، فقد تناقل الجنود الأمريكيون والبريطانيون الذين تمركزوا في قاعدة قريبة تُعرف باسم Observation Point Rock روايات مريبة:

قال بعضهم إنهم سمعوا أصواتاً بشرية تتحدث بالروسية في منتصف الليل رغم عدم وجود أحد، وإنهم رأوا أضواءً غامضة تظهر فوق الضريح وتختفي. أحد الجنود ذكر أنه سمع عبارة تتكرر في الظلام: “Brozay oruziye” (ألْقِ سلاحك).

ولم يجدوا تفسيراً لذلك سوى أن المكان «مسكون بأرواح قتلى الحرب».

الطقوس والممارسات الشعبية

على الرغم من هذه القصص، لا يزال الضريح مقصداً لزوار كثيرين من هلمند والمناطق المجاورة. فهم يأتون للتبرك والدعاء، ويقرؤون سوراً من القرآن، وبعضهم يطلب الأمنيات الشخصية عند القبر، معتقدين أن الدعاء في هذا المكان مستجاب.

يقول الحارس تاج محمد، الذي تجاوز التسعين من عمره: " كل من يتمنى أمنية هنا، تتحقق بإذن الله. رأيت ذلك مئات المرات."

ويُعد هذا السلوك امتداداً لموروث واسع الانتشار في الثقافة الأفغانية يقوم على زيارة أضرحة الأولياء لطلب الشفاء أو الرزق أو الحماية من الشرور.

تجارب وحكايات محلية

كثير من سكان المنطقة يروون تجارب تُضاف إلى سجل الغموض ، (جُما غُلّ) ابن أحد رجال الدين المحليين، يقول إن والده كان يروي دائمًا قصصاً عن «قوة الضريح» وكيف أن الروس لم يتمكنوا من تجاوز حدوده.

ويذكر (لالا جان) أحد الحراس القدامى أن جنوداً أجانب صعدوا ذات ليلة وسرقوا قطعاً من الرخام، وبعد أيام، عانوا من حوادث غريبة وإصابات غير مبررة، ما اعتبره الناس «لعنة المكان». أما بعض الزوار، فيحكون عن ضوء أزرق يظهر أحيانًا في داخل القبر ليلاً، لا يشبه أي ضوء طبيعي.

البعد الاجتماعي والنفسي

يرى الباحثون أن ما يحيط بضريح أمير حمزة من ظواهر غريبة يمكن تفسيره من خلال عوامل ثقافية ونفسية متداخلة. فأفغانستان بلد تتجذر فيه التصوف الشعبي والإيمان بـ«كرامات الأولياء»، وهي بيئة خصبة لظهور قصص الجن والأرواح. ومع سنوات الحرب الطويلة وما خلفته من توتر وصدمات نفسية، يصبح من الطبيعي أن يرى الناس أو يسمعوا ما لا يمكن تفسيره بسهولة.

وقد لاحظ أطباء نفسيون أن الجنود في مناطق النزاع كثيراً ما يعانون من هلاوس صوتية وبصرية نتيجة الإرهاق والخوف، ما يجعلهم يربطون الأصوات أو الأضواء بأي تفسير خارق للطبيعة.

ومع ذلك، لا ينفي هذا الجانب أن المكان يتمتع بخصوصية روحانية واضحة في وجدان الناس، حيث تمتزج المعاناة الجماعية بالأمل في الخلاص، فتولد الحكايات التي تمنح المكان سحره واستمراريته.

ما وراء الظاهرة

يبقى ضريح أمير حمزة مثالًا حيًّا على كيف تُولد الأسطورة من رحم الواقع. فهو مكان ديني بسيط تحول إلى رمز روحي، وميدان تختلط فيه الميتافيزيقا بالذاكرة الشعبية والحروب. سواء أكانت الأصوات التي يسمعها الزوار حقيقية أم نتاج خيال مثقل بالخوف والإيمان، فإنها تبقى جزءاً من نسيج الماورائيات الأفغانية، تلك التي تعيد رسم العلاقة بين الإنسان والمقدس والمجهول في أرض أنهكتها الأساطير والدماء.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ