10 نوفمبر 2025

لماذا نلتقي أشخاصاً معينين في حياتنا ؟

استكشاف الصلة بين قانون الجذب وفيزياء الكم -- هل تتحول الفكرة إلى واقع ؟
إعداد: كمال غزال

في حياة كل منا لحظات محددة يلتقي فيها بأشخاص يبدلون مساره إلى الأبد. منهم من يدخل كنسمة هادئة، ومنهم كعاصفة، لكن حضورهم لا يكون عبثاً أبداً.

فهل لقاءاتنا محض صدفة ؟ أم أن وراءها خيطاً خفياً من تدبير كوني أو قانون نفسي غائر فينا ؟

هذا السؤال القديم - لماذا نلتقي أشخاصاً معينين ؟ -  تمتد جذوره في عمق الفلسفة والروح، وتتنازعه تفسيرات متعددة: روحية، كارمية، علمية، نفسية، وصوفية.

، نستعرضها هن في بانوراما واسعة تكشف وجوه الحقيقة المتعددة.



الترتيب الكوني ولقاءات الأرواح

تقول المدارس الروحية القديمة إن الأرواح لا تلتقي صدفة، بل وفق هندسة كونية دقيقة. كل علاقة -  مهما بدت عابرة -  هي موعد مكتوب في مسار الروح.

يؤمن بعض الباحثين في علم الطاقة الروحية بأن قبل التجسد في العالم المادي، تعقد الأرواح اتفاقات خفية مع أرواح أخرى لتعلم دروس معينة. هؤلاء يسمّون “رفاق الروح” (Soulmates) أو “اللهيب التوأم” (Twin Flames).

رفيق الروح قد يكون حباً عظيماً، أو خليلاً، أو حتى خصماً شرساً؛ فكلٌّ يؤدي دوره في دفعنا نحو النضوج الروحي بينما يُعتبر “اللهيب التوأم” الجانب الأكثر غموضاً: شخص يعكس كل ما نخفيه عن أنفسنا، فيوقظ فينا الألم والشفاء معاً، وكأن الكون أرسله ليعيد إلينا وعينا الذاتي.

تناسخ الأرواح

في الميتافيزيقا الشرقية، يُطرح تفسير مختلف: تكرار اللقاءات عبر الحيوات ، يُقال إن بعض الأرواح تعود مراراً لتلتقي نفسها في أجساد مختلفة، تُكمل دروساً لم تُنهها بعد ، تفسيرهم بسيط وعميق في آنٍ واحد: الانجذاب المفاجئ نحو شخص غريب، أو الإحساس بمعرفته منذ زمن، ليس صدفة بل تذكّر روحي لحياة سابقة ، نحن -  وفق هذا المنظور -  نلتقي من أحببناهم، ومن آذونا، ومن لم نغفر لهم، كي نغلق دوائر قديمة ونرتقي.

ورغم أن هذه الفكرة لا يدعمها العلم المادي، فإنها تُعبر مجازياً عن شعور يعيشه الكثيرون: ذلك الإحساس بأن شخصاً ما كان في قصتك منذ الأزل ، إقرأ المزيد عن تناسخ الأرواح.

ماذا يقول العلم والنفس عن الإنجذاب والنفور

إذا تركنا العالم الروحي للحظة، نجد أن علم النفس العصبي يملك تفسيرات مدهشة لما نسمّيه “القدر”.

أثر الألفة والذاكرة العاطفية

تُظهر الدراسات أن الإنسان ينجذب لما يعرفه ، العقل الباطن يبحث عن المألوف، حتى وإن كان مؤلماً ، فتلك الفتاة التي ترتبط دوماً برجال متسلطين، قد تعيد - دون وعي - نمط علاقتها القديمة بوالدها، في محاولة “لإصلاح الماضي” ، هذا ما يسمى في علم النفس إعادة التمثيل (Repetition Compulsion): نكرّر الوجوه والأحداث لأننا نحاول أن نغير النهاية القديمة، ولو بطريقة رمزية.

نظرية المرآة

يقول علماء النفس التحليلي إن من نحبّهم أو نكرههم ليسوا سوى مرايا لأنفسنا ، شخص الذي يثير فيك الغضب أو الإعجاب إنما يُظهر لك ما فيك من صفات دفنتها أو نسيتها ، الحب القوي، أو النفور الشديد، هو انعكاس لشعور دفين في الداخل، لا يخص الآخر بقدر ما يخصك أنت.

الكيمياء العصبية

أما على المستوى البيولوجي، فـ“الكيمياء” بين شخصين حقيقية تماماً

عندما نلتقي من ننجذب إليه، يُطلق الدماغ جرعات من الدوبامين والنورأدرينالين والأوكسيتوسين، وهي مواد تولّد النشوة، والارتياح، والإدمان العاطفي ، ذا نشعر أحياناًبتسارع نبضات القلب، أو توتر لذيذ عند لقاء من “يهزّ شيئًا” في داخلنا.

العلم يرى في هذا عملية كيمياء دماغية معقدة، بينما يراها الروحانيون “ذبذبة طاقة” تتناغم مع ذبذبتنا ربما كلاهما صادق بطريقته.

قصص واقعية

ليست كل هذه الأفكار نظرية؛ فالحياة تزخر بأمثلة حية عن لقاءات بدلت مصائر:

رسالة خاطئة انتهت بزواج

امرأة أرسلت رسالة نصية لرقم مجهول، فتلقّاها رجل غريب وردّ بلطف. تبادلا الحديث، فاشتعلت الألفة، وبعد عام تزوّجا.
هل هو خطأ؟ أم ترتيب غامض؟

منقذ يتحول إلى شريك حياة

شاب يعمل في الإطفاء أنقذ فتاة من حادث سير. بعد أشهر، جمعهما القدر في لقاء عابر. تزوّجا لاحقًا، وقالت الفتاة: "لقد أنقذ حياتي مرتين؛ مرة من الموت، ومرة من الحزن."

خلل تقني يقود إلى حب

شاب فتح بالخطأ حساب فتاة على فيسبوك بسبب خطأ في النظام. بدآ الحديث لمجرد الفضول، وبعد سنوات تزوّجا، ، أحيانا ترتكب التكنولوجيا  أخطاءَ “سماوية”.

هذه القصص، مهما بدت بسيطة، تذكّرنا أن العشوائية الظاهرة قد تخفي ترتيباً أعظم ، ربما الصدفة ليست سوى قناعٍ يلبسه القدر.

المنقذ المجهول من اللامكان

كم من مرة نُقل عن أشخاص نجوا من حوادث مميتة بفضل شخصٍ ظهر من العدم ؟ في لحظات الانهيارات، الحرائق، أو الحوادث، يظهر رجل أو امرأة لا يعرفهم أحد، يتدخّلون في اللحظة المناسبة ثم يختفون دون أثر.

يتكرر هذا النمط في آلاف الشهادات حول العالم: ناجٍ من غرق يقول أن يداً قوية سحبته من الماء، لكنه عندما التفت لم يجد أحداً. امرأة علقت في سيارتها وسط النيران قبل أن يأتي رجل غريب كأنه يعرف الطريق مسبقًا، أنقذها واختفى ، في علم النفس، يمكن تفسير ذلك بأن الدماغ البشري يعظّم صورة “المنقذ” أثناء الصدمة كرمز للأمل.

لكن من الناحية الماورائية، يرى كثيرون أن هذا “المنقذ” ليس صدفة، بل رسول قدرٍ اتخذ هيئة بشرية، أو أن الكون يختار من يكون في المكان المناسب في اللحظة المناسبة ليحمل دوراً قد كُتب له منذ الأزل ، إنه تجسيد لفكرة أن الأرواح تُستدعى وقت الضرورة -  لا بقرارنا، بل بترتيب يفوق وعينا ، وكأن هناك خيطًا غير مرئي بين المحتاج والمُنقذ يشتد توهجه حين تحين اللحظة.

الشخص الذي كان وسيلة لفتح باب رزق

النوع الآخر من اللقاءات القدرية هو لقاء يبدل مسار الحياة المادي والروحي في آنٍ واحد ، بعد سنوات من العناء والظلم، يظهر شخص واحد يمد يده ، لا بالشفقة، بل بالفرصة.

قد يكون صاحب عمل يعرض وظيفة في لحظة يأس، أو صديقاً قديماً يعيدك إلى طريق النجاح، أو حتى غريباً يقترح فكرة تصبح بعد سنوات سبب ثراءك.

في منظور الروحانيات، يُقال إن هذا اللقاء نتاج لاهتزاز طاقي جديد في النفس: عندما يتغير وعي الإنسان ويخرج من دائرة الضيق، يُرسل له الكون أشخاصاً يتجاوبون مع طاقته الجديدة فيتحول الفقر إلى رخاء، والانغلاق إلى انفتاح.

أما في المنظور الواقعي، فالعلم يفسّر ذلك بما يُعرف بـنظرية الفرصة المركبة (Compound Opportunity): حين يصبح العقل مستعداً لتغيير حقيقي، يبدأ في رؤية الإشارات التي كانت دائماً أمامه، فيُميز الفرص التي تجاهلها سابقاً.

لكن سواء سميناه وعياً أو قدراً، تظل تلك اللقاءات تحمل طابعاً “إعجازياً” ، من كان في القاع، ثم جاءه شخص وفتح له باب النور، يظل يرى فيه “مبعوث العناية الإلهية” -  الإنسان الذي لم يأتِ صدفة بل جاء لحظة استحقاق ، بعض الأشخاص لا ينقذونك من موت جسدي، بل من حياة ميتة.


فلسفة اللقاءات :  من الرومي إلى يونغ


التزامن عند كارل يونغ

عالم النفس السويسري كارل يونغ سمّى الصدف ذات المعنى بـ التزامن Synchronicity ، إنها تلك اللحظات التي تتقاطع فيها أفكارنا مع الأحداث الخارجية في تناغم غريب.

كأن نفكر بشخص فيتصل بنا فوراً، أو نحلم بمكان ثم نزوره مصادفة ، رأى يونغ في ذلك “لغة كونية” يتحدث بها اللاشعور مع العالم فكل تزامن يحمل رسالة رمزية، تماماً كما تفعل الأحلام.

تلاقي الأرواح في التصوف الإسلامي

يقول النبي محمد (ص) : « الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف » ، في فهم الصوفية، هذا يعني أن الأرواح تعرفت على بعضها في عالم الغيب قبل الجسد، لذلك تميل في الدنيا إلى من يشبهها جوهراً.

يقول الرومي: “ستنسجم مع من يشبهك في الروح، لا في المظهر.” ، أما ابن عربي فيرى أن الحب نفسه نوع من التعارف الروحي، وأن «الطالب مطلوب، والعاشق هو المعشوق» -  أي أن من تبحث عنه، يبحث عنك أيضاً في مستوى آخر من الوجود.

لقاء الأرواح بين النفس والعلم

من منظور شمولي، يبدو أن كل التفسيرات تكمل بعضها لا تنقضها:

- العلم يشرح الآلية

- النفس تفسّر السبب الداخلي،

- الروح تكشف المعنى.

نحن ننجذب لما يشبهنا كي نفهم أنفسنا، ونلتقي من يجرحنا كي نُشفى، ونفترق عمن نحب لأن لكل لقاء عمراً محدداً في كتاب القدر.

كل شخص نلقاه هو درس متجسّد ، منهم من يأتي ليوقظ فينا نوراً، ومنهم من يختبر قدرتنا على الغفران ، بعضهم يعلمنا الحبّ، وبعضهم يُرينا كيف نحمي قلوبنا ، لكن جميعهم - بلا استثناء - جزء من خطة أعمق من وعينا.

في النهاية، ربما “القدر” ليس قوة خارجية بقدر ما هو تفاعل بين وعينا والكون، وربما “الصدفة” ليست سوى اسم نطلقه على ما لم نفهم حكمته بعد ، كل لقاء يحمل رسالة، وكل إنسان مرآة ، فحين نلتقي أحدهم نسأل: "ماذا يريد هذا اللقاء أن يعلّمني" ؟


نبذة عن الكاتب

كمال غزال باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات)  من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 إن لم تٌعتبر أشملها، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية ، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول".



إقرأ أيضاً ...

الكيانات المرشدة: بين الحلم واليقظة
- أشياء خرجت من العدم لتهمس برسالة

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ