5 أكتوبر 2025

ما وراء حدود الكون ؟

هل هناك حدود خارجية للكون ؟
إعداد: كمال غزال

منذ أن رفع الإنسان عينيه نحو السماء وهو يتساءل: هل هناك نهاية لهذا الفضاء ؟ وما الذي يكمن وراء آخر نجمة نراها ؟ ذلك السؤال البسيط في ظاهره هو في الحقيقة من أعقد الأسئلة التي واجهها العقل البشري، لأنه يمس حدود الوجود ذاته: هل للكون حدّ ؟ أم أنه يمتد إلى ما لا نهاية ؟ وهل هناك شيء "وراءه" ؟


الكون المرصود وحدوده

ما نراه من المجرات والنجوم والكوازارات لا يمثل الكون كله، بل فقط الجزء الذي يصلنا منه الضوء منذ الانفجار العظيم قبل نحو 13.8 مليار سنة، هذا الجزء يُعرف بـ الكون المرصود Observable Universe، ويبلغ قطره أكثر من 93 مليار سنة ضوئية.

ورغم هذا الحجم الهائل، فهو ليس إلا فقاعة صغيرة داخل اتساع أكبر لا يمكننا رؤيته، لأن الضوء القادم منه لم يُتح له الوقت الكافي ليصل إلينا.

إن تمدد الفضاء نفسه يجعل المجرات البعيدة تبتعد بسرعة تفوق سرعة الضوء، ولهذا فهي خارج متناولنا إلى الأبد.

ما يوجد هناك ؟ لا نعرف، لكن الاعتقاد العلمي السائد أنه مجرد المزيد من الكون نفسه: فراغ، مادة مظلمة، ومجرات لا تنتهي.

هل للكون "خارج" مكاني ؟

السؤال "ماذا يوجد خارج الكون ؟ " يبدو منطقياً لغوياً، لكنه يفقد معناه فيزيائياً ، فالكون ليس شيئاً داخل شيء، بل هو الكل الذي يشمل المكان والزمان معاً ، كلمة "خارج" تفترض وجود إطار أوسع يحتويه، لكن إذا كان الكون يشمل كل ما هو موجود، فـ "الخارج" غير قابل للتعريف.

ومع ذلك، ظهرت نظريات تحاول تخيل ما وراء هذا الكل، بعضها فيزيائي، وبعضها فلسفي، وبعضها أقرب إلى عالم الماورائيات.




نظرية الأكوان المتعددة: أكوان في بحر لانهائي

أشهر هذه الفرضيات هي نظرية الأكوان المتعددة Multiverse Theory التي تقول إن كوننا مجرد فقاعة في بحر هائل من الفقاعات الكونية ، كل فقاعة تمثل كوناً ذا قوانين فيزيائية مختلفة، وقد تكون الأكوان الأخرى غير مرئية لأن ضوءها لا يمكن أن يصل إلينا مطلقاً.

في هذا النموذج، الفضاء نفسه يمتد بلا نهاية، وداخل هذا الامتداد تولد الأكوان وتموت كفقاعات من رغوة كونية هائلة ، بعضها صغير، وبعضها ربما بحجم لا يمكن تصوره وبينها قد تكون أكوان ذات أبعاد مختلفة، أو حتى زمن يجري باتجاه مغاير لزمننا.


الفرضية المدهشة: هل نحن داخل ثقب أسود ؟

من النظريات الغريبة والمثيرة أن كوننا قد يكون داخل ثقب أسود في كون أكبر ، فعندما ينهار نجم ضخم، تتكون نقطة ذات كثافة لانهائية تُسمّى "تفردية" Singularity، وهي ما يشبه لحظة "الانفجار العظيم" أي لحظة ولادة الكون ، بعض النماذج الرياضية تشير إلى أن الجانب الآخر من الثقب الأسود قد يتفرع إلى كون جديد تماماً.

وهكذا، ربما يكون كل ثقب أسود في ذلك الكون الأعلى بوابة لكون آخر — ونحن مجرد أحد هذه الأكوان الوليدة داخل رحم كوني لا نعلم عنه شيئاً.

أبعاد أعلى من إدراكنا

النسبية العامة تصف الكون بأربعة أبعاد: الطول، العرض، الارتفاع، والزمن ، ما نعرفه باسم الزمكان Spacetime.

لكن نظريات حديثة مثل الأوتار الفائقة String Theory والـ Brane Cosmology تقترح أن الكون قد يمتلك أحد عشر بعداً، لا نرى منها سوى الأربعة، بينما الأبعاد الأخرى "ملتفة" حول نفسها في نطاقات مجهرية.

ربما يكون كوننا غشاء ثلاثي الأبعاد يطفو داخل فضاء ذي أبعاد أعلى، ونحن غير قادرين على رؤية ما خلفه لأن أدواتنا الحسية والعقلية محدودة داخل هذا الغشاء.

هل يمكن العودة إلى نقطة البداية ؟

إذا كان الكون منحنياً هندسياً، كما تشير بعض القياسات، فإن السفر في خط مستقيم لمسافة كافية نظرياً قد يعيدك إلى نفس النقطة التي انطلقت منها، تماماً كما يحدث على سطح الكرة.

لكن البيانات الحالية من القمر الصناعي بلانك (Planck) تشير إلى أن الكون مسطح تقريباً، مما يعني أنه قد يمتد بلا نهاية في جميع الاتجاهات.

ومع ذلك، قد يكون "انحناؤه" خفيفاً إلى درجة لا يمكننا قياسها بعد، فيبدو مسطحًا بينما هو في الحقيقة منغلق على نفسه على نطاق هائل.

حدود العلم وبداية التأمل الماورائي

كل ما نعرفه اليوم عن بنية الكون يستند إلى الضوء، ولكن هناك مناطق لن يصلنا منها أي ضوء مهما انتظرنا، لأن الزمن نفسه ليس كافياً ، لهذا، فإن ما وراء الأفق الكوني سيظل إلى الأبد خارج التجربة البشرية، يخص المجال الماورائي الذي يقف فيه العلم والفلسفة جنبًا إلى جنب.

ربما هناك أكوان أخرى، أو فضاء أعلى، أو كينونة لا نملك لغة لوصفها بعد ، وربما، كما قال الفيزيائي جون ويلر: " الكون يشاركنا في صنع واقعه، نحن جزء من السؤال الذي نحاول الإجابة عليه."

وفي الختام ،  ليس "ما وراء حدود الكون" مكاناً يمكن السفر إليه، بل هو سؤال عن ماهية الوجود نفسه.

كلما توسعت معارفنا، ازدادت مساحة المجهول.

وربما يكمن الجواب ليس في النظر بعيداً، بل في إدراك أن عقولنا جزء من هذا الكون، وأن حدوده هي حدود وعينا أيضاً.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ