3 أكتوبر 2025

سبكتروفيليا : الممارسة الجنسية مع الأرواح

الجن العاشق - ممارسة الجنس مع الجن أو الأرواح - سبكتروفيليا
إعداد :  كمال غزال

من بين أغرب المعتقدات والظواهر التي رافقت البشر عبر العصور، تبرز فكرة الجنس مع الأشباح أو الأرواح، والتي يطلق عليها في الدراسات الغربية مصطلح سبكتروفيليا Spectrophilia. هذا المصطلح يشير إلى الانجذاب الجنسي نحو الكيانات غير المرئية، أو حتى الدخول في علاقة جسدية كاملة مع أشباح أو أرواح. ظاهرة تجمع بين الأسطورة والدين والتجارب الشخصية، وفي الوقت نفسه تثير جدلاً واسعاً بين الباحثين في علم النفس والباراسيكولوجي.


من الجن العاشق إلى الشياطين الأوروبية

لا يخفى على القارئ أن الثقافة العربية والإسلامية تزخر بمرويات عن الجن العاشق، ذلك الكيان الخفي الذي يتلبس الإنسان بدافع الغرام أو الشبق. فكم من قصص الرقاة الشرعيين تناولت حالات يزعم أصحابها أن الجن يضاجعهم في المنام أو أثناء شلل النوم.

في أوروبا، عرف الناس منذ العصور الوسطى أساطير شيطانة الجنس الـسكوبس Succubus  (السقوبة) وهي أنثى شيطانية تراود الرجال ، وشيطان الجنس إنكيوبس Incubus (الحضون) وهو ذكر شيطاني يهاجم النساء، وقد نُسب إليهم حمل نساء خارج إطار الزواج أو موت بعضهن نتيجة الاستنزاف الجنسي  أما في الفلكلور العربي، فقد ارتبطت الحكايات الشعبية بالعفاريت والسعلوة، باعتبارها كيانات تتخذ هيئة بشرية لإغواء ضحاياها.

تجارب معاصرة واعترافات المشاهير

رغم سخرية الإعلام أحياناً، فقد صرحت شخصيات معروفة بتجاربها الغريبة مثل نجمة الأفلام الاباحية أنا نيكول سميث النجمة إذ اعترفت أنها كانت تقيم "علاقات مذهلة" مع شبح في شقتها بتكساس. 

أما المغنية الأمريكية كيشا Kesha فقد كتبت أغنية كاملة عن لقاءاتها الجنسية مع أشباح، وصرحت ذات مرة بأن "مهبلها مسكون" !

كما اشتهرت السيدة البريطانية أميثايت ريلم  Amethyst Realm  بادعائها الزواج من شبح، بل والطلاق منه لاحقاً. وهناك أيضاً القضية الشهيرة لـ دوريس بيثر  في كاليفورنيا، التي قالت إنها تعرضت لاعتداء متكرر من ثلاثة أشباح، ولاحقاً ألهمت قصتها فيلم الرعب The Entity (1982).



المِرآة كمدخل إلى التجربة

لا تقتصر الظاهرة على الأشباح وحدها، إذ تشير بعض الدراسات النفسية إلى أن الممارسة أمام المرآة قد تولد أوهاماً بوجود "شريك شبحي" يعكس الرغبات الداخلية. ويرتبط ذلك بظواهر معروفة مثل "شبح المرآة" أو لعبة ماري الدموية  Bloody Mary، حيث يُخيّل للإنسان أنه يرى كياناً غريباً خلف انعكاسه. هذه الهلوسات قد تتخذ بعداً جنسياً عند البعض، لتُصنَّف ضمن سبكتروفيليا spectrophilia.

معتقدات من ثقافات العالم


الأرواح العاشقة - كوريا

في الموروث الكوري، تحتل الأشباح النسائية مكانة خاصة، وغالباً ما ترتبط بالانتحار أو الموت المفاجئ نتيجة الخيانة أو الحب الممنوع. هذه الأرواح تُعرف باسم غويسين  Gwisin، وغالباً ما تُصور بملابس بيضاء وشعرٍ منسدل على الوجه.


المثير أن بعض القصص الشعبية تصف الغويسين ليس فقط ككيان مرعب يتجول في البيوت المهجورة، بل كروح باحثة عن التعويض العاطفي أو الجسدي، خصوصاً إذا مات شريكها قبل الزواج أو قبل أن تختبر العلاقة الجنسية. في هذه الحالة، يروي رجال في القرى الكورية القديمة عن أحلام حميمية مع "عروس شبحية"، حيث تظهر المرأة في المنام وتغوي الرجل، وأحياناً يُستيقظ على إحساس جسدي واضح ، وتُفسر هذه الظواهر في الشامانية الكورية بأنها "تسوية بين عالم الأحياء والأموات"، حيث تحتاج الروح إلى تجربة لم تكتمل في حياتها، فتسعى وراءها في البرزخ. إقرأ المزيد عن روح العاشقة العالقة في أساطير شرق آسيا .

الطقوس الجنسية مع الأرواح  - إفريقيا

في أجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء، تتخذ العلاقة مع الأرواح بعداً طقسياً أكثر منه عاطفياً. يعتقد بعض السحرة أن ممارسة الجنس الرمزي أو الحقيقي مع كيان غير مرئي يمنحهم قوة خارقة أو حماية روحية.

في بعض القبائل، يتم استدعاء الأرواح عبر طقوس جماعية تشمل الرقص الإيقاعي والموسيقى الصاخبة حتى يصل المشاركون إلى حالة شبيهة بالغيبوبة، يُقال إن الأرواح تدخل خلالها أجساد النساء أو الرجال وتمارس الجنس من خلالهم.

في المعتقدات الغانية والنيجيرية، يُعرف ما يسمى بـ "أزيسا" أو "سبيريت هسبند/وايف" (زوج الروح/زوجة الروح)، حيث يؤمن البعض بأن لكل شخص قريناً روحياً يغار عليه، وقد يمنعه من الزواج أو يسبب له العقم. بعض المعالجين الروحانيين يقومون بطقوس "الطلاق الروحي" لفك هذه الروابط.

أما في السحر الأسود، فقد ورد أن بعض المشعوذين يسعون إلى "تبادل طاقة" مع الأرواح عبر أفعال جنسية شاذة، معتقدين أن هذا يمنحهم القدرة على التحكم بالجن أو تنفيذ السحر المؤذي.

الأرواح كعزاء للأحياء - الهنود الحمر والأمازون

في ثقافات الأمريكيين الأصليين، سواء في شمال القارة أو في أعماق الأمازون، نجد علاقة مختلفة تماماً بين الجنس والأرواح، حيث يغلب عليها طابع العزاء والتواصل العاطفي أكثر من الشبق.

لدى بعض قبائل النافاجو واللاكوتا، تُروى قصص عن الأرامل اللواتي يزعمْن أن أزواجهن عادوا إليهن في الحلم أو في هيئة شبحية، وأعادوا تكرار طقوس الحب التي اعتادوا عليها، في لحظات يُنظر إليها كنوع من "الوداع الأخير".

في تقاليد شعوب الأمازون، تُعتبر الأحلام بوابة لعالم الأرواح. يروي بعض الشامانيين أن الأرواح تزور الأحفاد أو الأزواج في أحلام جنسية رمزية، يُفهم منها أنها وسيلة لإعادة بث الحياة والطمأنينة في قلب الشخص الحي.

بعض الباحثين الأنثروبولوجيين رأوا أن هذه التجارب تعكس حاجة الإنسان لإعادة صياغة علاقته بالموت، بحيث يتحول "الجنس الروحي" إلى لغة بديلة للحب الذي لم يمت بوفاة الجسد.

التفسيرات العلمية والنفسية

يحاول العلم تفسير الظاهرة بعيداً عن الماورائيات:

شلل النوم (Sleep Paralysis)

شلل النوم يصفه كثيرون بأنه شعور بثقل على الصدر والجسد مع عجز عن الحركة، وغالباً ما يترافق مع أوهام لمس أو وجود كيان غريب وهو يسمى في الثقافة الشعبية الجاثوم.

الهلوسات الجنسية

قد تنشأ نتيجة الحرمان الجنسي أو النشاط العصبي الزائد أثناء النوم. إقرأ المزيد عن الجنس النومي (سكسومنيا) و الأحلام الجنسية.

الإسقاط النجمي

بعض التجارب تُفسر بأنها "خروج من الجسد" يتخذ شكلاً حسياً أو جنسياً.

العامل النفسي العاطفي

الأرامل أو من فقدوا أحبّاءهم يروون أحياناً عن لقاءات جنسية "روحية" مع الشريك المتوفى، كتجربة علاجية أو نوع من الإغلاق العاطفي.

الجانب الديني والروحاني

في الإسلام، تُفسَّر هذه الحالات غالباً بوجود جن عاشق، وتُعالج عبر الرقية الشرعية أو الطرد الروحي ، أما في المسيحية فقد عرفت الكنيسة طقوس التطهير  أو طرد الأرواح (Exorcism) لحالات زُعم فيها أن الأرواح الشريرة تمارس الجنس مع البشر ، في البوذية والشامانية، نجد مفهوم "الزواج الروحي" مع الأرواح كوسيلة لاكتساب الحكمة أو القوة.

بين المتعة والرعب

ليست كل تجارب سبكتروفيليا ممتعة أو مرغوبة. بعض الضحايا يصفونها بالاعتداء أو الاغتصاب الروحي، فيما يرى آخرون أنها تجربة "خارج هذا العالم" تبلغ ذروتها بلذة تفوق ما يعرفه الجسد البشري. وهكذا، تتأرجح القصص بين النعيم والكوابيس، بين المتعة الماورائية والخوف من الشيطان.

تبقى سبكتروفيليا من أكثر الظواهر إثارة للجدل، إذ تقف على الحدود بين التجربة الروحية، والاضطراب النفسي، والأساطير الشعبية. البعض يراها باباً للحب ما بعد الموت، وآخرون يعدّونها اعتداء شيطانياً أو وهماً جنسياً مصدره الدماغ ، لكن المؤكد أنها تعكس هاجساً إنسانياً قديماً: الرغبة في التواصل مع الماوراء، حتى عبر أكثر الغرائز بدائية "الجنس".

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ