20 سبتمبر 2025

بنغاره : قلعة الأشباح في راجستان

قلعة بنغاره المسكونة في الهند - راجستان
إعداد : كمال غزال
في أعماق ولاية راجستان الهندية، وبين تلال أرافالي المكسوة بغابات خضراء، تقف أطلال قلعة بنغاره Bhangarh Fort كهيكل صامت يثير الرعب في القلوب. 

لا تعد القلعة مجرد أثر تاريخي مهجور، بل هي واحدة من أكثر الأماكن المسكونة إثارة للجدل في العالم، حتى أن السلطات الهندية وضعت عند مدخلها لافتة رسمية تحذر الزوار من دخولها بعد غروب الشمس. هذا التحذير وحده كان كافياً لجعلها وجهة لعشاق الرعب والظواهر الماورائية، ولكل من يسعى لاكتشاف الأسرار التي تخبئها أنقاضها.

لمحة تاريخية

شُيدت قلعة بنغاره عام 1573م بأمر من الحاكم راجا بهاغوانت داس لتكون مقراً لابنه مادو سينغ، أحد القادة البارزين في جيش الإمبراطور المغولي أكبر ، كانت القلعة في عصرها الذهبي مدينة مزدهرة، تضم قصوراً ملكية، أسواقاً تعج بالحياة، ومعابد ضخمة تعكس عظمة الهند القديمة ، ويُقدر أن عدد سكان المدينة بلغ حينها عشرة آلاف نسمة، يعيشون داخل أسوارها الضخمة.

لكن هذا المجد لم يدم طويلاً، إذ انهارت المدينة فجأة، وتركها أهلها هائمين في اتجاهات مختلفة. بقيت القلعة خالية، وأسواقها صامتة، ومعابدها مهجورة، ما فتح الباب أمام الأساطير لتنسج حولها حكايات عن لعنة أبدية حلت على المكان.

غالباً ما تُقارن بنغاره بمواقع مسكونة أخرى مثل: قلعة إدنبرة في اسكتلندا وجزيرة بوفليا في إيطاليا ، لكنها تظل الأشهر في آسيا بفضل ارتباطها العميق بالأساطير الهندية.

الأميرة راتنافاتي والساحر سينغيا

من بين جميع الحكايات التي تناقلها الناس، تبقى قصة الأميرة راتنافاتي والساحر سينغيا الأكثر رواجاً ، كانت راتنافاتي معروفة بجمالها الأخاذ وعقلها الحكيم، وكانت حلماً لكل أمير شاب في الممالك المجاورة. إلا أن قلبها ظل بعيداً عن الجميع، حتى عن الساحر سينغيا الذي هام بها عشقاً ، ولما يئس من نيل حبها، لجأ إلى السحر الأسود ، صنع تعويذة قوية ووضعها في زيت عطر ليجعل الأميرة تقع في حبه قسراً ، إقرأ المزيد عن سحر المحبة أو جلب الحبيب.

لكن الأميرة، التي كانت محاطة بالمخلصين، أدركت خدعته قبل أن يقع السحر عليها ، وفي لحظة حاسمة، ألقت بزجاجة الزيت بعيداً، فانكسرت على صخرة كبيرة ، ارتد السحر على الساحر نفسه، فانقلبت الصخرة وتهشمت فوقه، فمات سحقاً ، قبل أن يلفظ أنفاسه، صرخ الساحر بلعنته الشهيرة: " لن يهنأ أحد في بنغاره، وستظل أرواح أهلها تائهة إلى الأبد، ولا يبقى فيها حيٌّ واحد !"

بعد فترة وجيزة، اندلعت حرب مع قرية مجاورة، قُتل خلالها معظم سكان المدينة، ويُقال إن الأميرة نفسها لقيت حتفها في تلك المعركة ومنذ ذلك الحين، أصبحت القلعة خراباً، تسكنها ذكريات الدماء، وأصوات لم تهدأ منذ قرون.

حكايات من الرعب

يؤكد كثير من الزوار أن بنغاره ليست مجرد أطلال، بل مسرح لظواهر غير مفسرة : 

- أصوات غامضة: يروي بعض السياح أنهم سمعوا صرخات وأنيناً قادماً من أعماق القلعة مع حلول المساء، رغم خلو المكان تماماً من البشر.

- ظلال هائمة: أفاد آخرون برؤية ظلال لأشخاص يتحركون بسرعة بين المعابد والأسواق، ثم يختفون فجأة.

- تعطل الأجهزة: تعطل كاميرات وهواتف العديد من الزوار بمجرد دخولهم، لتعود للعمل بشكل طبيعي بمجرد مغادرتهم البوابة.

في عام 2011، نُشرت تقارير عن مجموعة من الشباب تحدوا التحذيرات ودخلوا القلعة ليلاً ، سُمع صراخهم في الظلام، لكن لم يخرج منهم سوى اثنين وقد أصيبوا بهلع شديد، رافضين التحدث عمّا رأوه ، ويؤكد سكان القرى القريبة أن كل من يبيت داخل القلعة بعد الغروب لا يعود أبداً.

رحلة صيد الأشباح

في إحدى التقارير ، يُروى أن مجموعة من الفتية قاموا بزيارة بنغاره ليلاً بهدف "صيد الأشباح" ولكن لم تنجح محاولات البحث عنهم حيث لم يعثر فريق البحث إلا على سيارتهم وكاميرا فيها الصورة الظاهرة وخربشة من المذكرات ورد فيها :

" كان هذا المكان مظلماً تماماً ! حتى أنه خلا من أي إضاءة إصطناعية. أوقفنا سيارتنا بحيث نستعين بمصابيحها الأمامية ومن ثم دخلنا من خلال البوابة الحديدية ، ولم يأتي قرارنا هذا بسرعة إلا بعد نقاشات وتفكير وإعادة تفكير. وفي الحال أصبحنا بعيدين عن السيارة ولم يكن بحوزتنا ضوء سوى إضاءة شاشة الهاتف المحمول ، دخلنا أكثر في طريقنا فدب فينا الذعر الشديد ، لم نكن نجرؤ على الدخول إلى الكهوف ، كانت هناك خفافيش. وأردنا البقاء بعيدين عن الأحراش البرية والشجيرات لأن الثعابين والفهود السود شائعة هنا.

وأخبرنا الحارس قصة بانغاره وكيف أن ساحراً لعن بلدة فمات سكانها فجأة ، كما جاء في لعنته أنه لن يكون هناك أسقف على أي منزل فيها. ومن ثم أرانا الحارس فتبينا عدم وجود أسقف على المنازل القديمة باستثناء المعابد الهندوسية ، وفي تلك اللحظة التي تقشعر فيها الأبدان سار بنا إلى البوابة وتركنا نغادر ، فغادرنا ونمت في طريق عودتنا ولم أكن قادراً على نسيان الكوابيس في تلك الليلة".

وورد في آخر المذكرة ما يلي : " صحيت عند حوالي الساعة 7:00 صباحاً لأجد نفسي ضائعاً في منتصف مكان مجهول . وعندما التفتنا لخلفنا تبين أننا فقدنا طريق العودة ، وأوقف صديقي السيارة التي كان يقودها فغلبه النعاس وغفى. فشعرت بغضب شديد ، ولكن شروق الشمس بعث فينا شعوراً أكبر بالأمان رغم أنه لم يكن لدينا أدنى فكرة عن المكان الذي كنا فيه كما لم يكن هناك أناس حولنا ! ولا حتى شبكة هاتف خليوي متوفرة تمكننا من إجراء أتصال ، كل هذا يمكن تدبره ولكن أن تتوقف السيارة عن العمل ! هذا ما لم يكن في الحسبان".

بين الأسطورة والعلم

رغم كل هذه القصص، يحاول العلماء تفسير الظواهر بعقلانية:

يعتقد بعض الباحثين أن الرياح التي تمر بين أطلال القلعة تُنتج أصواتاً غريبة شبيهة بالصرخات ، كما أن الحقول الكهرومغناطيسية في المنطقة قد تسبب هلوسات بصرية وسمعية، تجعل الزوار يتوهمون رؤية أشباح أو سماع أصوات، إقرأ المزيد عن التفسيرات العلمية لظاهرة الأشباح ، هناك أيضاً ما يُعرف بتأثير "الإيحاء العقلي"، حيث يتأثر الزائر المهيأ نفسياً بالروايات المرعبة، فيفسر أي حركة طبيعية على أنها نشاط خارق، مع ذلك، تبقى الحقيقة أن السلطات نفسها تحافظ على التحذير الرسمي، وهو ما يعزز هالة الرعب المحيطة بالمكان.

التغطيات الإعلامية والشهرة العالمية

تحولت بنغاره إلى مادة دسمة للأفلام والبرامج الوثائقية ، فقد خصصت قنوات وثائقية مثل ناشيونال جيوغرافيك وديسكفري حلقات عن القلعة، حيث قضت فرق التصوير ليالي كاملة ترصد الظواهر الغريبة ، كما تناولتها الصحف الهندية الكبرى مثل تايمز أوف إنديا  Times of India، مشيرة إلى أنها القلعة الوحيدة في الهند التي تحمل تحذيراً حكومياً واضحاً يمنع التواجد فيها ليلاً ، كما استلهم صناع السينما في بوليوود قصصاً من أسطورة بنغاره لإنتاج أفلام رعب ناجحة.

لغز لا ينتهي

تظل قلعة بنغاره لغزاً قائماً بين الواقع والأسطورة ، هل هي حقاً مسكونة بالأشباح، أم أن ظواهرها مجرد نتاج لعوامل طبيعية وعقلية ؟

مهما كانت الإجابة، تبقى القلعة مكاناً فريداً يروي قصة مدينة مزدهرة تحولت إلى أطلال تصرخ في صمت، حاملة معها سراً لن يُكشف بالكامل ، إنها دعوة مفتوحة لعشاق الغموض والباحثين عن المجهول، للاقتراب بحذر من بوابتها، حيث يلتقي التاريخ بالخوف، وتُروى أقدم الحكايات على أنغام صرخات الريح.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ