![]() |
إعداد : كمال غزال |
عبر التاريخ، كان اللاعبون والجماهير يبحثون عن أي وسيلة تمنح فريقهم الأفضلية أو تحميهم من الفشل، سواء عبر الطقوس البسيطة كارتداء جورب الحظ أو اللجوء إلى التمائم والصلوات، أو حتى استدعاء السحرة والمشعوذين.
في هذا السياق وُلدت أساطير عن "اللعنات" التي لاحقت أندية ومنتخبات لعقود طويلة، وأثرت في مسار البطولات، حتى أن بعض اللاعبين يصرحون بأنهم يشعرون بثقلها النفسي داخل الملعب.
لعنة الساحر ومنتخب أستراليا
عام 1969، احتاج المنتخب الأسترالي إلى الفوز للتأهل إلى كأس العالم. بتوصية من صحفي محلي في موزمبيق، لجأ الفريق إلى ساحر أو "مشعوذ" لوضع عظام قرب المرمى بهدف لعن الخصم. لكن عندما رفض اللاعبون دفع الأجر المطلوب، انقلب السحر عليهم. لسنوات طويلة فشل المنتخب في الوصول إلى النهائيات، حتى جاء المذيع الأسترالي جون سافران بعد عقود وأجرى طقساً مضاداً في موزمبيق، ليتأهل الفريق بعدها مباشرة إلى كأس العالم بعد غياب 32 عاماً.
لعنة القميص رقم 7: مانشستر يونايتد
منذ رحيل كريستيانو رونالدو في 2009، صار القميص رقم 7 عبئاً على لاعبي مانشستر يونايتد. أنخيل دي ماريا، أليكسيس سانشيز، وممفيس ديباي جميعهم فشلوا تحت هذا الرقم رغم نجوميتهم السابقة. الجماهير بدأت تتحدث عن "لعنة الرقم 7"، بين من يفسرها بضغط التوقعات ومن يراها نحساً حقيقياً.
لعنة القطط السوداء: راسينغ كلوب الأرجنتيني
في ستينيات القرن الماضي، قام مشجعو الغريم التقليدي بدفن سبعة قطط سوداء نافقة في ملعب راسينغ. الفريق دخل في سلسلة طويلة من الإخفاقات، ولم يعد للتتويج إلا بعد عقود، حين أُخرجت آخر بقايا القطط من الملعب وسط طقس أشبه بالإكسورسيزم (طرد الأرواح). عادت البطولات بعد ذلك مباشرة، مما رسخ الاعتقاد أن اللعنة كانت حقيقية.
لعنة الغجر: برمنغهام سيتي
حين بُني ملعب سانت أندروز في 1906 فوق أرض تخص جماعة الروما (الغجر)، قيل إنهم وضعوا لعنة على الفريق. ومنذ ذلك الحين لم يحقق النادي إنجازات كبيرة، بل عانى من الهبوط والحرائق وحوادث غريبة. حتى أن بعض المدربين حاولوا تعليق صلبان ضخمة على أعمدة الإنارة لرفع النحس، لكن الفشل ظل يلازم النادي حتى مطلع الألفية.
لعنة غوتمان: بنفيكا البرتغالي
المدرب المجري بيلا غوتمان، بعد أن قاد بنفيكا إلى لقبين أوروبيين متتاليين في 1962، طلب زيادة في راتبه لكن الإدارة رفضت، فغادر وهو يقول: "لن تفوزوا بكأس أوروبا لمئة عام." ومنذ ذلك اليوم، خسر بنفيكا ثماني نهائيات أوروبية متتالية، حتى أن أسطورة النادي أوزيبيو ذهب بنفسه إلى قبر غوتمان متوسلاً رفع اللعنة، لكن الهزائم تكررت.
أمثلة عربية على "لعنات الملاعب"
1- الوداد والرجاء – المغرب
في الدار البيضاء، تتناقل جماهير الفريقين حكايات عن استخدام "الشعوذة" قبل المباريات المصيرية، خصوصاً في ديربي كازابلانكا الشهير. بعض المشجعين يروون قصصاً عن دفن أشياء غريبة قرب مرمى الخصم أو رش ماء "مسحور" على أرض الملعب. الإعلام المغربي نفسه تناول هذه الحكايات أحياناً في سياق التنافس الكبير بين الناديين.
2- الأهلي والزمالك – مصر
لا تخلو مباريات القمة المصرية من قصص التشاؤم والتطير حيث قيل إن الزمالك "ملعون" في نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام الأهلي بسبب هزائمه المتكررة، والجماهير تفسر ذلك بلغة "النحس" ، بعض اللاعبين يصرون على الاستعانة بشيوخ أو قراءة الرقية قبل المباريات الكبرى ، وقد وثقت الصحافة المصرية حالات اتهمت فيها إدارات أندية بمحاولة الاستعانة بـ "الدجل" لضمان التفوق.
3- اتحاد الجزائر – الجزائر
ترددت في الجزائر قصص عن أن بعض الملاعب "مشؤومة"، خصوصاً عندما يخسر الفريق على أرضه أكثر مما يفوز ، مشجعو اتحاد الجزائر (USM Alger) تحدثوا عن "نحس" لازمهم في بعض النهائيات القارية، معتبرين أن الفريق يحتاج إلى "فك عقدة" أكثر من حاجته لتغيير اللاعبين.
4- الهلال والمريخ - السودان
المواجهات التاريخية بين الهلال والمريخ في السودان تحيط بها أجواء من الأساطير، تتحدث جماهير المريخ تحديداً عن "سحر" يُستخدم في بعض المباريات، حتى أن بعض اللاعبين كانوا يرفضون دخول غرف ملابس الخصم بزعم أنها "مطلسمة".
5- المنتخبات العربية في إفريقيا
في بعض مشاركات المنتخبات العربية بكأس إفريقيا كـ مصر، وتونس، المغرب ، جرى الحديث إعلامياً عن أن المنتخبات المضيفة قد تلجأ إلى "طقوس سحرية" لتضعف خصومها، مثل إضاءة البخور أو الاستعانة بسحرة محليين. هذه الروايات غالباً ما تُستخدم لتفسير نتائج غير متوقعة.
خصوصية اللعنات عربياً
الفرق بين اللعنات في أوروبا/أمريكا اللاتينية وبين العالم العربي هو الجانب الديني والثقافي:
- عندنا ترتبط اللعنة مباشرة بمفهوم السحر والشعوذة، وهو أمر مستنكر دينياً لكنه حاضر في المخيلة الشعبية.
- الجماهير واللاعبون قد يجمعون بين الدعاء والرقية الشرعية من جهة، وطقوس الحظ أو التشاؤم من جهة أخرى.
- الإعلام العربي يستخدم مصطلحات مثل "العقدة" أو "النحس" أكثر من كلمة "اللعنة".
كيف يتعامل اللاعبون مع "اللعنات"؟
التمائم الشخصية: بعض اللاعبين يرتدون أساور أو يخفون حروزاً صغيرة داخل أحذيتهم.
الطقوس الجماعية: فرق كاملة تدخل الملعب بطريقة معينة، أو تقفز على العشب بالقدم اليمنى أولاً.
الاستعانة بالروحانيين: مثل استدعاء سحرة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية لرفع النحس.
الممارسات الدينية: تلاوة آيات أو صلوات جماعية طلباً للحماية من "سوء الطالع".
تعاويذ الحماية في الرياضة الإفريقية
في الرياضة الإفريقية، يبرز ما يُعرف بـ سحر "الموثي" (Muti)، وهو ممارسات سحرية متجذرة في بعض الثقافات الشعبية. تُستخدم هذه الطقوس في ملاعب كرة القدم عبر دفن مواد أو أجزاء حيوانية تحت المرمى، أو رش سوائل غامضة على خطوط الملعب لزيادة الحظ أو إضعاف الخصم. وقد وثّقت وسائل الإعلام عدة حوادث، بينها مباراة توقفت حين ضبط الحكم لاعبين يرشون مواد سحرية على الأرض، واعتُبرت نوعاً من "تعاويذ الحماية".التأثير نفسي : بين البلاسيبو والنوسيبو
البلاسيبو Placebo
البلاسيبو تأثير نفسي إيجابي يحدث عندما يقتنع اللاعب أو الفريق أن طقساً معيناً، أو تميمة، أو حتى دعاء، سيجلب لهم الحظ. هذا الاعتقاد يمنحهم ثقة إضافية ويقلل من التوتر، ما يحسن أداءهم فعلاً داخل الملعب، حتى وإن لم يكن للتميمة أي أثر مادي.
النوسيبو Nocebo
النوسيبو هو على العكس تماماً من البلاسيبو، يحدث عندما يقتنع اللاعب بوجود لعنة أو نحس ملازم له، فينعكس ذلك سلباً على تركيزه وأدائه، وقد يؤدي إلى سلسلة إخفاقات متلاحقة. هذه الظاهرة شائعة في قصص "القمصان المشؤومة" أو "الملاعب الملعونة"، حيث يتأثر الأداء النفسي قبل البدني.
إذن، كثير من "اللعنات الكروية" يمكن تفسيرها بآلية البلاسيبو والنوسيبو، حيث يصبح الاعتقاد ذاته قوة مؤثرة قد تصنع النصر أو الهزيمة.
الموقف الإسلامي من التطير والتشاؤم
في الثقافة الإسلامية، نجد توجيهاً واضحاً ضد الخرافات والتطير (التشاؤم من الطيور أو العلامات) ، فقد ورد في الحديث الشريف: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح." (رواه البخاري ومسلم)
أي أن الإسلام ينفي الاعتقاد بانتقال النحس أو الشؤم بذاته، ويرفض ربط الهزيمة أو الفشل بعلامات غيبية. لكنه بالمقابل يشجع على التفاؤل كقوة نفسية إيجابية.
التطير: كان العرب يتشاءمون من طيور أو أصوات أو اتجاهات، فجاء الإسلام ليبطل هذه المعتقدات.
السحر والشعوذة: محرمة شرعاً لما فيها من استدعاء قوى غيبية أو استعانة بالجن.
الطاقة النفسية: مع أن الإسلام لا يستخدم مصطلحات مثل البلاسيبو، إلا أن فكرة "الفأل الحسن" تتقاطع مع تعزيز الثقة والأمل، وهو ما يرفع المعنويات ويقوي الأداء.
اللعنة: قوة غامضة بين الأسطورة والواقع النفسي
اللعنة في جوهرها فكرة قديمة: نقل الشؤم أو الأذى عبر كلمة، أو طقس، أو نية شريرة. في الرياضة – وخاصة كرة القدم – تتحول هذه الفكرة إلى جزء من الرواية الجماعية للنادي أو المنتخب. الجماهير تفسر الإخفاقات المتكررة على أنها نتيجة "لعنة"، واللاعبون بدورهم قد يتأثرون بهذا الاعتقاد حتى دون وعي.
الأثر النفسي: الشعور بأن قوة غامضة تلاحق الفريق يمكن أن يولد حالة من التوتر الجماعي، تجعل اللاعبين يدخلون المباريات بذهن مثقل.
الأثر الاجتماعي: اللعنة تصبح أحياناً مبرراً جماهيرياً للإخفاق، أو أسطورة تتوارثها الأجيال، كما في حالة "لعنة غوتّمان" مع بنفيكا.
الأثر الإعلامي: وسائل الإعلام تضخم هذه القصص، ما يرسّخها في الوعي العام ويجعلها تبدو أكثر واقعية مع كل خسارة جديدة.
بهذا المعنى، قد تكون اللعنة كياناً ثقافياً أكثر منها قوة ماورائية، لكنها تملك تأثيراً حقيقياً لأنها تؤطر طريقة التفكير والسلوك.
بين الحقيقة والوهم
علم النفس الرياضي يفسر الأمر بأن الخرافة تمنح اللاعبين شعوراً بالتحكم وسط عالم مليء بالمفاجآت، مما يقلل القلق ويزيد الثقة. لكن حين يتحول الاعتقاد إلى هوس، قد يفسر اللاعب أي فشل بسيط بأنه دليل على "استمرار اللعنة"، فيدخل في دائرة من الشك الذاتي.
اللعبة التي تتجاوز الملعب
اللعنات في كرة القدم ليست مجرد أساطير طريفة، بل انعكاس لرغبة الإنسان في تفسير الحظ وتقلباته. سواء كانت حقيقة أو وهماً نفسياً، فإنها تظل جزءاً من سحر المستديرة، تضيف لها طبقة أخرى من الدراما والغرابة التي تجعلها اللعبة الأكثر عشقاً في العالم.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .