23 سبتمبر 2025

توأم بولوك : تناسخ أرواح أم لغز ذاكرة موروثة ؟

مثال عن التقمص وتناسخ الأرواح - التوأمان بولوك
إعداد : كمال غزال

يُعتبر تناسخ الأرواح أو التقمص واحداً من أكثر المعتقدات الروحانية إثارة للجدل في العالم، إذ يرى المؤمنون به أن الأرواح لا تفنى، بل تنتقل من جسد إلى آخر بعد الموت، حاملة معها بعض الذكريات والعلامات. عبر التاريخ، ظهرت قصص عديدة يُقال إنها دلائل على هذا الاعتقاد، لكن قلّما حازت إحداها على شهرة وانتشار مثل قصة توأم بولوك التي هزت الأوساط العلمية والروحانية في منتصف القرن العشرين، ولا تزال تثير الحيرة حتى اليوم.


مأساة هزت بلدة هكسهام

في صباح يوم 7 مايو 1957، كانت الطفلتان جوانا (11 عاماً) وجاكلين (6 أعوام) متجهتين إلى الكنيسة في بلدة هكسهام الواقعة في شمال إنجلترا، حين انقضّت سيارة مسرعة تقودها امرأة في محاولة انتحار، فدهستهما مع طفل آخر. لقيت الفتاتان مصرعهما على الفور، تاركتين والديهما، جون وفلورنس بولوك، في حالة من الانهيار النفسي والحزن العميق.

بالنسبة لعائلة فقدت ابنتين بهذه الصورة المروعة، كان الألم لا يُحتمل، لكن ما لم يكن في الحسبان أن هذه المأساة ستصبح بعد عامين محور قصة تُروى في جميع أنحاء العالم.

ولادة غير متوقعة

بعد أقل من عام على الحادثة، حملت فلورنس مجدداً. كان الأطباء يظنون أنها تحمل جنيناً واحداً، لكن المفاجأة وقعت في 4 أكتوبر 1958 عندما أنجبت توأماً حقيقياً (متماثلاً)  هما جيليان وجينيفر، على الرغم من عدم وجود أي تاريخ للتوأمة في العائلة.

منذ ولادتهما، لاحظ الوالدان شيئاً غريباً في جينيفر على وجه الخصوص. فقد وُلدت ولديها علامتان مميزتان:

- شامة على الخاصرة اليسرى، في الموضع نفسه الذي كان لدى جاكلين.

- أثر بارز على الجبهة يشبه تماماً ندبة قديمة لجاكلين بعد سقوطها في طفولتها.

كانت هذه التفاصيل مجرد بداية لسلسلة من الأحداث العجيبة التي ستثير لاحقاً جدلاً واسعاً حول إمكانية التناسخ.

ذكريات لا تُصدق

عندما بلغت الطفلتان عامين ونصف، بدأت مظاهر غريبة في الظهور. إذ بدأتا تتحدثان عن أشياء لم تتعرضا لها قط في حياتهما الحالية:

- طلبتا ألعاباً كانت ملكاً لأختيهما الراحلتين، وتمكنتا من تمييز كل لعبة بدقة، حتى أنهما كانتا تعرفان لمن تعود كل واحدة.

- أظهرتا خوفاً شديداً من السيارات، وكانتا تصرخان عند رؤيتها: “السيارة قادمة لتأخذنا !”، كما لو كانتا تتذكران الحادثة المروعة التي أودت بحياة الأختين.

عند عودة العائلة إلى بلدة هكسهام بعد أن عاشوا فترة في مكان آخر، استطاعت الطفلتان الإشارة إلى شوارع وأماكن لم تزورها من قبل، لكنها كانت مألوفة لهما على نحو يثير الدهشة.

ومن أغرب الملاحظات أيضاً أن جينيفر، مثل جاكلين، كانت تمسك القلم بطريقة غير مألوفة، حيث تستخدم قبضتها بالكامل بدلاً من أصابعها، وهو ما لم تفعله جيليان مطلقاً.

تلاشي الذكريات

استمرّت هذه الظواهر حتى سن الخامسة تقريباً، ثم بدأت تختفي تدريجياً. ومع دخول الطفلتين المدرسة، أصبحتا مثل أي طفلين عاديين. بدا وكأن الستار قد أُسدل على تلك الذكريات، وكأنها لم تكن يوماً موجودة، وهو نمط يتكرر في العديد من الحالات التي يُزعم أنها مرتبطة بتجارب تناسخ، حيث تختفي الذكريات السابقة بعد سن معينة.

لماذا اعتبرها البعض دليلاً على التناسخ ؟

يرى أنصار التناسخ أن قضية توأم بولوك تحمل عناصر يصعب تفسيرها مادياً:

العلامات الجسدية الفريدة: وجود شامات أو ندوب في المواضع نفسها التي عانت منها الأختان الراحلتان.

المعرفة المسبقة: قدرة الطفلتين على التعرف على أماكن وأشياء لم يسبق لهما رؤيتها.

التغير السلوكي: الخوف الشديد من السيارات، وعادات متطابقة مع شخصيات الفتاتين المتوفيتين.

هذه العناصر تُشبه حالات أخرى وثقها باحثون في ظواهر ما وراء الطبيعة، خصوصاً عند الأطفال، حيث تكون الذكريات السابقة أكثر وضوحاً في سنوات العمر الأولى ثم تتلاشى لاحقاً.

الانتقادات والشكوك

رغم ما تحمله القصة من عناصر مدهشة، فإنها ليست بمنأى عن النقد، وهناك العديد من الاعتراضات التي طرحها المشككون:

1- مصدر المعلومات

جميع الشهادات تقريباً جاءت من الوالدين فقط، ما يعني أنه لا يوجد توثيق محايد أو تصوير فيديو أو تقارير طبية تثبت صحة الأحداث. وهذا يفتح الباب لاحتمال تحيز الوالدين، خاصة أن الأب كان مؤمناً بالتناسخ قبل ولادة التوأم.

2- تأثير البيئة العائلية

من الطبيعي أن يسمع الأطفال أحاديث عن أخواتهن المتوفيات أو يلتقطوا معلومات من الكبار دون وعي. ومع الوقت، قد يظن الأهل أن هذه المعلومات تذكر بحياة سابقة، بينما هي في الحقيقة نتيجة إيحاء أو معرفة غير مباشرة.

3- العلامات الجسدية

صحيح أن العلامات على جسد جينيفر كانت لافتة، لكنها ليست مستحيلة طبياً. فالشامات والندوب قد تظهر عشوائياً حتى بين توأم متماثل.

4- عامل الصدفة

قد تكون بعض المواقف مجرد مصادفات فُسرت لاحقاً على أنها دليل، خصوصاً مع مرور الوقت وتغير الذاكرة البشرية التي تميل إلى تضخيم الأحداث أو إعادة صياغتها.

لمحة عن معتقد تناسخ الأرواح (التقمص)

يعود مفهوم التناسخ إلى حضارات قديمة، مثل الهندوسية والبوذية، حيث يُعتقد أن الروح تمر بدورات متتالية من الولادة والموت، وأن أفعال الإنسان في حياته السابقة تحدد مصيره في حياته المقبلة، وهو ما يُعرف بـ"الكارما".

وفي بعض الفلسفات الغربية والباطنية، مثل الكابالا اليهودية، يظهر مفهوم مشابه يُسمى "جيلجول النفوس" (دوران الروح عبر الحيوات). ورغم أن معظم الديانات الإبراهيمية ترفض هذا الاعتقاد، فقد ظهرت بين بعض المتصوفة والمسارات الروحية إشارات إلى أفكار قريبة منه.

كما يُعد التناسخ (تقمّص الأرواح) عنصراً أساسياً في العقيدة الدرزية، حتى أنه يُعتبر الركيزة الكبرى لفهم الحياة والموت عندهم. يختلف هذا المعتقد عن التناسخ في الديانات الشرقية مثل الهندوسية والبوذية، وكذلك عن جيلجول النفوس في الكابالا اليهودية، إذ يأخذ عند الدروز طابعاً صارماً ومحدداً، فلا يشمل سوى البشر ولا يخرج عن إطارهم.

أما من منظور علمي، فما يزال التناسخ غير مثبت، لكن بعض الباحثين في مجالات ما وراء الطبيعة يواصلون دراسة حالات مثل توأم بولوك، معتبرين أنها قد تقدم أدلة على وجود شيء يتجاوز حدود التفسير المادي.

في الختام ، تظل قصة توأم بولوك واحدة من أغرب القصص الواقعية التي أعادت إحياء النقاش حول التناسخ ووجود حياة ما بعد الموت.
سواء أكانت دليلاً على انتقال الأرواح، أم مجرد مصادفة مدعومة بخيال بشري وتفسيرات متحمسة، فإنها تذكرنا بأن العقل البشري والوجود ما يزالان يحملان الكثير من الأسرار التي لم تُكتشف بعد.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".


إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ