![]() |
إعداد : كمال غزال |
سيف الكريس في إندونيسيا وماليزيا
يعود تاريخ الكريس إلى القرن العاشر الميلادي في جزيرة جاوة الإندونيسية، قبل أن ينتشر في ماليزيا وسواحل جنوب شرق آسيا.
بحسب تصنيف اليونسكو، فإن الكريس ليس سلاحًا فحسب، بل قطعة روحية وسحرية، إذ يُعتقد أنه يمنح حامله الحماية والهيبة والقوة الخفية. وقد استُخدم تاريخيًا كرمز للسلطة والشرعية، حيث يُمنح للسلاطين والنبلاء في المراسم الملكية.
السيوف المشابهة في الفلبين
في الفلبين، يُعرف الشكل الأطول للكريس باسم كالس (Kalis) أو سوندانغ (Sundang)، بينما تُطلق تسمية كونونغ (Gunong) على النسخ الأصغر. كما يبرز سيف كامبيلان (Kampilan) الذي ارتبط بأساطير المحاربين المورو وميثولوجيا البحر، حيث تُنقش على مقابضه أحيانًا صور لكائن أسطوري بحري يُسمى باكوناوا، يقال إنه يبتلع القمر أثناء الخسوف.
المعتقدات الماورائية المرتبطة بالكريس
في الثقافة الجاوية، يُعتقد أن الكريس يتكوّن من خمسة عناصر طبيعية وروحية: الماء، النار، الهواء، الأرض، والروح. وبذلك يُنظر إليه على أنه كائن حي، قادر على اتخاذ قرارات وممارسة إرادته على حامله أو أعدائه.
من أبرز الأساطير المتعلقة بالكريس:
بعض السيوف تتحرك من تلقاء نفسها، أو تقف شامخة عند سماع اسمها.
سيوف مشهورة مثل تامنج ساري تجعل حاملها لا يُقهر في المعارك.
أسطورة كريس إمبو غاندنغ الذي لُعن بأن يقتل سبعة أشخاص بينهم صانعه.
يُقال إن الكريس قادر على جلب المطر والخصوبة، أو التسبب في الحرائق والكوارث إذا أسيء استخدامه ( إقرأ المزيد عن حرائق تتسبب بها أرواح ويعجز عنها خبراء).
كما يُستخدم في بعض المناطق كأداة للعرافة، حيث يوضع تحت وسادة الحالم ليكشف له في المنام عن مستقبله.
كما يُستخدم في بعض المناطق كأداة للعرافة، حيث يوضع تحت وسادة الحالم ليكشف له في المنام عن مستقبله.
تموجات النصل وعلاقتها بالحظ
الميزة الأكثر لفتاً في الكريس هي شفرته المتموجة، وتسمى التموجات لوك (Luk).
يجب أن يكون عدد التموجات فردياً (عادة بين 3 و13).
كل رقم يعكس نوعاً من الطاقة:
3 موجات: الحماية.
7 موجات: الشجاعة والسلطة.
9 موجات: القوة الروحية القصوى.
هذه التموجات ليست زخرفة فقط، بل يعتقد أنها بمثابة «لغة سرية» تحدد شخصية السيف وتوافقه مع صاحبه، بحيث لا يجلب الحظ إلا إذا تطابق عدد تموجاته مع رقم الحظ الخاص بالحامل.
أنماط البامور (Pamor) وأسرار المعادن
نقوش الكريس المعروفة باسم بامور هي أشكال معدنية تظهر بعد معالجة خاصة للشفرة ، ولكل نمط اسم ودلالة روحية، مثل:
- حبوب الأرز المبعثرة : يجلب الحظ ويضمن الوفرة في الرزق.
- زهرة جوزة الطيب : يجعل الحامل محبوبًا وذا سمعة حسنة.
- نقي العظم : يساعد على كسب الرزق وتوسيع العلاقات الاجتماعية.
- قشرة البطيخ : يطيل عمر العائلة ويجلب البركة.
هذه الأنماط تشبه الرموز السحرية، وتُختار بعناية من قبل صانع السيف (Empu) لتحديد مصيره الروحي.
الطقوس المرتبطة بالكريس
تقام طقوس خاصة للعناية بالكريس، حيث يُعامل ككائن حي يحتاج إلى تنظيف وتغذية:
غسل سنوي (جاماسان)
يُجرى في الليلة الأولى من السنة الجاوية باستخدام ماء جوز الهند والليمون والأزهار.
التطهير بالزيوت
يوضع على شفرة الكريس زيت عطري مثل خشب الصندل أو الياسمين لإشباعه بالطاقة الإيجابية.
قرابين الدم
في بعض المناطق مثل لومبوك، يُستخدم دم الدجاج في الطقس لإرضاء الأرواح الساكنة في السيف.
السيوف كرموز اجتماعية وسياسية
لا يقتصر دور الكريس على السحر، بل يتجاوز إلى المجتمع والسياسة:
- في حفلات الزواج الجاوية، يُزين الكريس بالأزهار كرمز للطهارة والولاء.
- في البلاطات الملكية، يمنح السلطان كريساً خاصاً كوسام شرف.
في الرقصات التقليدية مثل رقصة بارونغ في بالي، يطعن الراقصون أنفسهم بالكريس دون أن يُصابوا، في مشهد يُعد برهاناً على القوة الروحية للسيف.
الأساطير والحكايات الشعبية
يحيط بالكريس تراث أسطوري واسع ، تقول الأسطورة إن الكريس الذي يُهدى كهدية لا يجب بيعه أبداً، وإلا جلب النحس على حامله الجديد ، كما يُروى أن بعض الكريسات يمكنها التحدث في الأحلام أو حتى تحريك الأحداث في الواقع ، في الفلبين، ارتبطت بعض السيوف بحكايات عن مخلوقات بحرية مثل باكوناوا، ما عزز بعدها الميثولوجي.
السيوف الروحية المعاصرة
رغم تطور الأسلحة الحديثة، ما زال الكريس يحظى باحترام كبير ، يُعرض في المتاحف كرمز للهوية الثقافية الإندونيسية والفلبينية.
يُستخدم في طقوس الحماية لدى بعض الشامانات حتى اليوم.
في عام 2023، مُنح سيف كريس مصنوع يدوياً كجائزة للفائزين بسباق مانداليكا للدراجات النارية في إندونيسيا، كتعبير عن الأصالة والانتصار.
مقارنة بين السيوف الروحية
كريس (Keris) : تعود جذوره إلى جزيرة جاوة في إندونيسيا ويتمثل دوره كتعويذة للحماية، سلاح مقدس، أداة للطقوس السحرية.
كونونغ (Gunong) : تعود جذوره إلى الفلبين وهو خنجر عائلي يستخدم في الحماية والطقوس الشعبية.
كالس / سوندانغ (Kalis/Sundang): تعود جذوره إلى الفلبين، سيف طويل يمثل الشجاعة والقوة، يستخدم في المناسبات الملكية.
كامبيلان (Kampilan) : تعود جذوره إلى الفلبين الجنوبية وهو سيف أسطوري مرتبط بحكايات مخلوقات البحر والمحاربين الأسطوريين، وفيما يلي صورة له:
وختاماً، تجسد أسطورة الكريس والسيوف المشابهة مزيجاً فريداً من الحرفية الفنية، والمعتقدات الروحية، والأساطير الشعبية. فهي شواهد على كيف يمكن لسلاح بسيط أن يتحول إلى رمز للحياة والموت، وللقوى المرئية والخفية معاً.
هذه السيوف ليست مجرد أدوات قتال، بل مرآة لثقافة جنوب شرق آسيا، حيث يتقاطع السحر بالدين، والأسطورة بالتاريخ، في نسيج غني يثير الدهشة حتى يومنا هذا.
ملحوظة
أدرجت منظمة اليونسكو سيف الكريس ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، تقديراً لقيمته الرمزية والروحية.
نبذة عن كمال غزال

0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .