|  | 
| إعداد : كمال غزال | 
تُحمل هذه الدمى رمزية هائلة؛ فهي ليست مجرد لعبة أو مجسم، بل أداة اعتُقد أنها قادرة على ربط "الصورة" بالأصل، بحيث ينعكس ما يُفعل بالدمية على الشخص المستهدف.
الأسس الفكرية للسحر بالدمى
تقوم فكرة الدمية السحرية على نظريتين أساسيتين وضع أسسهما عالم الأنثروبولوجيا جيمس فريزر:
السحر بالتماثل (Imitative Magic): ما يحدث للدمية يحدث لمن تُمثله. فإذا طُعنت بالإبر أو أُحرقت، اعتُقد أن الشخص المستهدف سيتأذى أو يمرض.
السحر بالعدوى (Contagious Magic): يعتمد على ربط الدمية بشيء يخص الشخص مثل شعره، أظافره، قطعة ملابس، أو صورة، لإقامة "صلة روحية" بينهما.
هذان المبدآن يشكلان أساس غالبية الممارسات السحرية عبر الثقافات، ويظهران بوضوح في الدمى السحرية منذ آلاف السنين.
جذور تاريخية في ثقافات متعددة
1- بلاد الرافدين: نصوص مقلو Maqlû
في بلاد الرافدين، وُجد أحد أقدم النصوص السحرية المعروفة وهو نص مقلو، الذي يعود إلى الألف الأول قبل الميلاد ، في هذه الطقوس، كان يُصنع تمثال يمثل الساحر أو الكائن المؤذي، ثم يُحرق أو يُذاب أو يُكسر أمام النار كرمز لتدمير قوته.
جاء في أحد النصوص: "لقد سلّمتُ صورته إلى إله النار، لتحرقه وتُبطل شره".
هذه الممارسة كانت تُستخدم للدفاع، وليس للإيذاء، فهي نوع من السحر الوقائي لرفع الضرر.
2- مصر القديمة: نصوص الكسر واللعن
في مصر الفرعونية، استخدم الكهنة ما يُعرف بـ نصوص اللعن (Execration Texts) ، كانت أسماء الأعداء تُكتب على أوان فخارية أو تماثيل طينية أو شمعية، ثم تُكسر أو تُدفن أو تُحرق، اعتقاداً أن ذلك يُحطم قوة العدو ويُبعد خطره ، وقد اكتُشفت عشرات الأمثلة على هذه النصوص في مواقع أثرية مثل منف والفيوم، ما يثبت انتشارها في الطقوس الدينية والسياسية ، إقرأ المزيد استخدام دمية بهدف جلب الحبيب.
3- اليونان والرومان: تماثيل كولوسوي وألواح اللعن
في العالم اليوناني-الروماني، عُثر على تماثيل صغيرة تُسمى Kolossoi، غالباً ما تكون مصنوعة من الرصاص أو الطين ، كانت تُربط أطرافها بأسلاك أو تُثقب بمسامير، وتُدفن مع ألواح رصاصية منقوشة تُعرف بـ Defixiones ، الغرض من ذلك كان تقييد إرادة الضحية أو التسبب في مرضه أو منعه من تحقيق هدف ما، سواء في الحب، أو الرياضة، أو التجارة.
كما عُثر في مصر الرومانية على دمى مشابهة للتماثيل الإغريقية، مما يدل على انتشار هذا النوع من السحر في العصر القديم.
4- العصور الوسطى الأوروبية: عرائس الشمع
في أوروبا، وخاصة خلال محاكم التفتيش، انتشرت فكرة "عرائس الشمع" ، كانت الساحرات يصنعن دمى شمعية ويضعن فيها شعر الضحية أو قطعة من ثيابه، ثم يذيبنها على نار خفيفة لإضعافه تدريجياً.
هذه الصورة هي التي تطورت لاحقًا في الثقافة الشعبية إلى دمى الفودو الشهيرة، رغم أن الفودو في أصله ديانة معقدة لا تقتصر على السحر الأسود.
5- اليابان: دمى وارا نينغيو
في اليابان، توجد عادة تقليدية تسمى "زيارة ساعة الثور"، حيث تقوم امرأة غاضبة بصنع دمية من القش تدعى وارا نينغيو  (Wara Ningyo) تمثل عدوها، وتدقها بمسامير على شجرة مقدسة في منتصف الليل ، يُكرر الطقس لسبع ليال متتالية، بهدف جلب اللعنة على الشخص المستهدف ، أما في الممارسات الروحية الإيجابية، فتُستخدم دمى هيتوغاتا Hitogata كرموز للتطهير وإبعاد الأرواح الشريرة.
6- أفريقيا الوسطى: تماثيل نكيسي نكوندي
في بعض ثقافات الكونغو، وُجدت تماثيل خشبية تُسمى نكيسي نكوندي Nkisi Nkondi، تُدق فيها مسامير عند عقد اتفاقيات أو للانتقام من المعتدين. رغم أنها ليست سحراً أسود بالضرورة، فقد ارتبطت في المخيلة الغربية بأعمال السحر واللعن.
7- هاييتي وغرب إفريقيا : دمية الفودو
أصبحت دمية الفودو (Voodoo Doll) رمزاً عالمياً للسحر الأسود بفضل الأفلام والإعلام، لكنها في الأصل جزء من ديانة الفودو في هاييتي وغرب أفريقيا، كانت تُستخدم لأغراض روحانية إيجابية مثل الحماية، الشفاء، وجلب البركة ، إدخال الإبر في الدمية لم يكن في البداية للإيذاء، بل لتوجيه الطاقة الروحية نحو هدف محدد.خلال فترة الاستعمار، شُوهت هذه الممارسات وصُوّرت في الغرب كأدوات للانتقام واللعنات، وانتشرت صورتها المرعبة في الثقافة الشعبية، بينما حقيقتها الأصلية أكثر عمقاً وروحانية.
صورة "دمية الفودو بالإبر" أصبحت رمزاً عالمياً في الأفلام والألعاب، لكنها تبسيط مخل لتاريخ طويل ومعقد ، معظم الدمى السحرية لم تكن تهدف للإيذاء فحسب، بل كانت أيضاً وسيلة للتطهير أو طلب الحماية، وهو ما يغفل عنه الإعلام المعاصر.
الوظائف المتنوعة للدمى السحرية
الإيذاء والانتقام: شل إرادة الخصم، إصابته بالمرض، أو دفعه للابتعاد.
الحماية والشفاء: كما في نصوص مقلو، حيث تُحرق دمية الساحر لإبطال سحره.
التطهير الروحي: مثل دمى Hitogata اليابانية.
العدالة الاجتماعية: كما في نكيسي نكوندي، حيث تُستخدم لردع المعتدين.
صناعة الدمية: المواد والرمزية
تختلف المواد باختلاف البيئة والثقافة:
الشمع: يُستخدم في أوروبا لتجسيد الجسد وذوبانه.
الطين: شائع في مصر والعراق واليونان.
القش: كما في اليابان وبعض الطقوس الزراعية.
القماش والأعشاب: في الفولكلور الأوروبي وأمريكا اللاتينية.
الرصاص: في الطقوس الرومانية لرمزيته بالثقل والموت.
الرمزية هنا تكمن في:
الثقب بالإبر: لإيذاء عضو محدد من جسد الضحية.
الربط بالحبال: لتقييد الإرادة أو منع الحركة.
الحرق: لتدمير كامل للشخص أو روحه.
الدفن: لإخفاء السحر وجعل أثره مستمراً.
في العالم العربي : استبدال الدمية بالصورة
هناك إشارات متفرقة إلى استخدام التماثيل في السحر، خصوصاً في المغرب الكبير، حيث وثق المستشرق ويسترمارك طقوسا شعبية يُصنع فيها مجسم يرمز إلى الخصم، ويُعامل كبديل رمزي له في طقوس الإيذاء أو الحماية.
أما اليوم، فقد تطورت هذه الممارسات وأخذت أشكالاً أبسط، إذ باتت الصور الشخصية للضحية تُستخدم بدلا من الدمى التقليدية، حيث تُثقب الصورة أو تُربط بخيوط وأحجبة في محاولة لربط الأذى بالشخص المستهدف.
ومثال على ذلك ما حدث في الجزائر وأثناء حملة شبابية لتنظيف مقابر مدينة المشرية، تحول العمل التطوعي إلى كشف جماعي لأعمال السحر المدفونة ، عُثر على كميات كبيرة من الطلاسم، صور شخصية، خصلات شعر، ملابس، وبيض مدفون، كان معظم تلك الأعمال البغيضة يهدف إلى الإيذاء والإنتقام ، بينما بعضها مرتبط بـ سحر المحبة ، انتشرت مقاطع الفيديو على مواقع التواصل بسرعة، وأثارت صدمة واسعة، خاصة بعد أن أكد بعض الأهالي معرفتهم بأشخاص تطابق محتوى هذه الأعمال مع معاناتهم من مشكلات نفسية مفاجئة، فشل في العلاقات، أو نفور بين الأزواج.
أما اليوم، فقد تطورت هذه الممارسات وأخذت أشكالاً أبسط، إذ باتت الصور الشخصية للضحية تُستخدم بدلا من الدمى التقليدية، حيث تُثقب الصورة أو تُربط بخيوط وأحجبة في محاولة لربط الأذى بالشخص المستهدف.
ومثال على ذلك ما حدث في الجزائر وأثناء حملة شبابية لتنظيف مقابر مدينة المشرية، تحول العمل التطوعي إلى كشف جماعي لأعمال السحر المدفونة ، عُثر على كميات كبيرة من الطلاسم، صور شخصية، خصلات شعر، ملابس، وبيض مدفون، كان معظم تلك الأعمال البغيضة يهدف إلى الإيذاء والإنتقام ، بينما بعضها مرتبط بـ سحر المحبة ، انتشرت مقاطع الفيديو على مواقع التواصل بسرعة، وأثارت صدمة واسعة، خاصة بعد أن أكد بعض الأهالي معرفتهم بأشخاص تطابق محتوى هذه الأعمال مع معاناتهم من مشكلات نفسية مفاجئة، فشل في العلاقات، أو نفور بين الأزواج.
الموقف الديني
في الإسلام، يُحرّم السحر بجميع أنواعه، ويُعد من الكبائر التي تستوجب العقوبة، سواء كان هدفه الإيذاء أو حتى "الجلب والمحبة".
قال تعالى: " وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ " (البقرة: 102) ، لذلك دراسة هذه الممارسات هنا تأتي من باب المعرفة الثقافية والتاريخية، وليس لتشجيعها أو ممارستها.
وفي الختام ، من طقوس الحماية في المعابد الفرعونية إلى مشاهد الرعب في الأفلام الحديثة، تبقى هذه الدمى شاهدة على صراع الإنسان مع القوى التي لا يراها، بين العلم والأسطورة، بين الإيمان والخيال.
ومع أن كثيراً من هذه الممارسات اندثر، إلا أن رمزيتها ما زالت حية في الذاكرة البشرية، تذكرنا بأن السحر، مهما تغيرت أشكاله، يظل لغةً قديمة يحاول بها الإنسان فهم الكون والسيطرة عليه.
نبذة عن كمال غزال
 باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".
باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".







 
 

0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .