24 سبتمبر 2025

قلعة هيميجي في اليابان - قلاع مسكونة بالأرواح

قلعة هيميجي - اسطورة بئر أوكيكو - وفيلم The Ring
إعداد : كمال غزال
تقف قلعة هيميجي Himeji Castle شامخة في قلب مدينة هيميجي بمحافظة هيوغو، كواحدة من أعظم التحف المعمارية في اليابان وواحدة من أشهر القلاع على مستوى العالم. 

بجدرانها البيضاء المهيبة وتصميمها الدفاعي المعقد، تروي القلعة قصص الحروب والساموراي، وتحتفظ في زواياها المظلمة بأساطير مرعبة، أبرزها أسطورة بئر أوكيكو التي جعلت منها وجهة لعشاق التاريخ والماورائيات على حد سواء.


أسطورة بئر أوكيكو

بينما تمثل القلعة رمزاً للجمال، فهي أيضاً موطن لواحدة من أشهر الأساطير اليابانية: أسطورة بئر أوكيكو Okiku’s Well ، تدور القصة حول خادمة تُدعى أوكيكو خدمت في القلعة خلال القرن الخامس عشر ، وُجهت إليها تهمة زوراً بسرقة واحد من عشرة أطباق ثمينة مملوكة لسيد القلعة ، عوقبت بوحشية، إذ تم تعذيبها ثم إلقاؤها في بئر داخل القلعة حتى فارقت الحياة.

منذ ذلك الحين، يُقال إن روحها لا تزال هائمة، وتظهر ليلاً قرب البئر وهي تعد الأطباق بصوت خافت: "واحد... اثنان... ثلاثة..." حتى تصل إلى الرقم تسعة، ثم تطلق صرخة مرعبة عند غياب الطبق العاشر.

حتى اليوم، يقف "بئر أوكيكو" في ساحة القلعة كأحد أهم معالمها حيث يتوقف المرشدون السياحيون ليحكوا للزوار هذه القصة الغامضة التي تجمع بين الظلم والانتقام.





أسطورة ألهمت رواية وفيلم رعب مشهور

في الأسطورة، أوكيكو خادمة بريئة تُقتل ظلماً وتُلقى في بئر، وتعود روحها للانتقام، حيث يُسمع صوتها وهي تعد الصحون، وصراخها الأخير يثير الرعب ،أما في فيلم The Ring- الذي يعد علامة فارقة في أفلام الرعب الياباني والذي اعيد انتاجه بنمط هوليوودي نجد أيضاً أنساداكو قُتلت ورميت في بئر لتعود كروح ناقمة من قاتليها ومن كل من يشاهد شريط الفيديو الملعون، كلا القصتين تستخدمان البئر كرمز لمكان مظلم وسري حيث تُحبس الروح، وهو عنصر شائع في الفولكلور الياباني ومعروف باسم يوراي  Yūrei (أي الأرواح الغاضبة).



لم يصرح الكاتب كوجي سوزوكي - مؤلف رواية Ringu التي أصبحت فيلماً -  أن الأسطورة هي مصدر إلهامه الوحيد، لأنه اعتمد على العديد من الأساطير اليابانية التقليدية عن الأرواح المظلومة، وكان أشهرها أسطورة أوكيكو ، تصميم شخصية ساداكو بملامحها المخيفة وشعرها الأسود الطويل يغطي وجهها مستوحى من يوراي  Yūrei التقليدي، مثل صورة أوكيكو في المخيلة الشعبية.

مشهد خروج ساداكو من البئر في الفيلم يوازي المشهد الأسطوري لروح أوكيكو العالقة في البئر، ويُعتبر تكريماً غير مباشر للفولكلور الياباني القديم ، حتى فكرة العد من واحد إلى تسعة في أسطورة أوكيكو تقابلها فكرة العد التنازلي في الفيلم عبر الشريط الملعون الذي يحدد سبعة أيام للموت.

أساطير أخرى تحرس القلعة

لم تكن أسطورة أوكيكو الوحيدة التي أحاطت القلعة بالغموض إذ تذكر الحكايات الشعبية روحاً غامضة تُدعى أوساكابي-هيمي Osakabehime، وهي كائن روحي قادر على تغيير هيئته، يقال إنه يسكن الأبراج العليا للقلعة ويحرسها بروح انتقامية ، تؤكد الأسطورة أن بعض الحكام الأوائل، مثل إيكيدا تيروماسا، أقاموا معبد أوساكابي داخل أسوار القلعة لتهدئة هذه الروح وضمان حماية القلعة من الكوارث ، هذه الأساطير، سواء كانت حقيقية أم رمزية، ساهمت في تشكيل الهالة الروحانية التي تحيط بالقصر، وأصبح ذكرها جزءاً من تجربة الزيارة السياحية.

الظواهر الماورائية

رغم كثرة الحكايات، لا توجد أدلة علمية حديثة على نشاط ماورائي حقيقي في قلعة هيميجي ، أغلب الظواهر المروية، مثل سماع أصوات أنين أو رؤية أطياف، تعود إلى الأساطير الشعبية القديمة، مع ذلك يزعم بعض الزوار أنهم شعروا ببرودة مفاجئة أو سمعوا أصواتاً غامضة بالقرب من بئر أوكيكو، مما يعيد إحياء الأسطورة في أذهانهم.

جذور تاريخية عريقة

تأسست قلعة هيميجي لأول مرة عام 1333 حين أقام القائد أكاماستسو نوريمورا حصناً صغيراً على هضبة هيمي ،في عام 1346، تم توسيع الحصن وتحويله إلى قلعة أكثر متانة، ليتخذ لأول مرة اسم "هيميجي" ، في أواخر القرن السادس عشر، وسع القائد الشهير تويوتومي هيديوشي القلعة وأضاف إليها برجاً رئيسياً من ثلاث طبقات.

بعد معركة سيكيغاهارا عام 1600، كافأ الشوغون توكوغاوا إياسو الجنرال إيكيدا تيروماسا بمنحه القلعة. بين عامي 1601 و1609، أعاد إيكيدا بناء القلعة بالكامل لتصبح بالشكل الذي نراه اليوم، مستخدماً أحدث تقنيات العمارة اليابانية في ذلك العصر.

خلال حقبة مييجي (1868–1912) ومع موجة التحديث كادت القلعة أن تنال الهدم ، لكن الضابط ناكامورا شيغيتو تدخل لإنقاذها، ليتم لاحقًا تصنيفها كرمز وطني.
ورغم قصف الحرب العالمية الثانية وزلزال هانشين الكبير عام 1995، نجت القلعة بأعجوبة دون أضرار كبيرة، وهو ما عزز مكانتها كرمز للمرونة التاريخية والمعمارية لليابان.

معجزة معمارية وكنز عالمي

تُعرف هيميجي بلقب "قلعة اللقلق الأبيض" (Shirasagi-jo) بفضل جدرانها البيضاء التي توحي بشخصية طائر اللقلق في لحظة الطيران ، تمتاز القلعة بممرات متعرجة وأبواب سرية صُممت خصيصاً لإرباك أي جيش مهاجم، ما يجعلها تحفة دفاعية وعسكرية فريدة ، تتألف من 80 مبنى، تشمل أبراجاً ومخازن وأسوار مزدوجة الخندق، جميعها متصلة بنظام هندسي متقن.

في عام 1993، تم إدراج القلعة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، التي أشادت بجمالها وعبقريتها المعمارية باعتبارها المثال الأبرز للقلاع اليابانية الكلاسيكية.

اليوم، تُعد القلعة مقصداً لملايين السياح سنوياً، خاصة في فصل الربيع حين تتفتح أشجار الكرز المحيطة بها، مما يخلق مشهداً شاعرياً يخفي وراءه حكايات مظلمة.

قلعة تجمع بين الجمال والرعب

قلعة هيميجي ليست مجرد بناء تاريخي، بل هي رمز مزدوج : رمز للجمال والعبقرية الهندسية التي تمثل قمة العمارة اليابانية ورمز للأساطير التي تحكي عن الأرواح والأحداث الغامضة، مثل أسطورة أوكيكو وأوساكابي-هيمي.

سواء كنت عاشقاً للتاريخ أو مفتوناً بعالم الماورائيات، فإن زيارة قلعة هيميجي تمنحك فرصة فريدة لاستكشاف مكان تتعايش فيه الحقيقة مع الخيال، حيث تلتقي قصص الساموراي مع صرخات الأرواح التي ما زالت تتردد بين جدرانها البيضاء.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ