12 سبتمبر 2025

الغميضة اليابانية : لعبة أم طقس استحضار أرواح ؟

هيتوري كاكورينبو - لعبة الغميضة اليابانية
إعداد: كمال غزال

في زمن تتقاطع فيه ثقافة الإنترنت مع الخرافة، برزت لعبة يابانية مثيرة للجدل تُعرف باسم هيتوري كاكورينبو Hitori Kakurenbo، أو ما يُترجم إلى "الاختباء وحدك". قد يبدو الاسم بريئاً، لكنه يخفي وراءه طقساً غامضاً قيل إنه قادر على فتح أبواب بين عالم الأحياء وعالم الأرواح، ما جعلها تُصنف كواحدة من أخطر "الألعاب" على الإطلاق.

هذه الممارسة التي انتشرت في اليابان ثم وجدت طريقها إلى كوريا ودول أخرى عبر الإنترنت، ليست مجرد تسلية كما يوحي اسمها، بل هي أشبه بمحاولة خطيرة للتواصل مع الماورائيات عبر طقوس تشبه السحر الأسود.

من منتديات الإنترنت إلى الواقع

ظهرت هذه اللعبة للمرة الأولى في منتصف العقد الأول من الألفية على المنتديات اليابانية الشهيرة مثل 2chan، حيث نشر أحد المستخدمين وصفاً تفصيلياً لطقس غامض يتيح "استدعاء روح" وجعلها تسكن دمية، ثم اللعب معها لعبة الغميضة.

انتشرت القصة بسرعة بين الشباب، وسرعان ما بدأت مقاطع فيديو وتدوينات تظهر على الإنترنت، بعضها يعرض تجارب مزعومة لأشخاص قالوا إنهم حاولوا اللعبة وشهدوا أحداثاً مخيفة مثل أصوات خطوات غامضة، حركات مفاجئة للدمية، أو تصرفات غير طبيعية للحيوانات الأليفة.

ورغم أن معظم هذه الشهادات يصعب التحقق من صدقيتها، إلا أن اللعبة تحولت إلى ظاهرة رقمية، شبيهة بما حدث مع لعبة "ماري الدموية" في الغرب، أو لعبة "لوحة ويجا"، لكنها تحمل طابعاً يابانياً خاصاً مفعماً بالرمزية والرهبة.


قواعد اللعبة: كيف تُلعب هيتوري كاكورينبو ؟

الطقس الأساسي يجمع بين عناصر سحرية ورمزية واضحة، تبدأ بإعداد الدمية بطريقة معينة:

خطوات الإعداد

- اختيار الدمية: يجب أن تكون محشوة ولها أطراف، مثل دمية دب أو أرنب.

- استبدال الحشو بالأرز: يُعتقد أن الأرز يجذب الأرواح، وله دلالة في الثقافة اليابانية حيث يُستخدم في طقوس جنائزية ويرمز لجذب الأرواح أو تغذيتها.

- إضافة شيء من جسد اللاعب: مثل قصاصة من أظافره، لخلق "صلة روحية" بين اللاعب والدمية.

- الخيط الأحمر: تُخاط الدمية بهذا الخيط ثم تُلف بالكامل به، يرمز الخيط الأحمر في الفلكلور الياباني  إلى "رباط الدم" أو الأوعية الدموية ، ويُستخدم كقيد للروح أو لعنة

- حوض ماء: يُملأ ويوضع في الحمام ليكون مكان الطقس .

- أداة حادة آمنة نسبياً: مثل عود خشبي أو إبرة، لطعن الدمية، لكن لا يُستخدم سكين أو مقص، خشية أن تهاجمك الدمية لاحقاً بنفس السلاح.

- ماء مالح أو ملح جاف: عنصر أساسي لإنهاء اللعبة ، حيث يعتبر الملح في كثير من الثقافات عنصر تطهير وطرد للأرواح الشريرة، شبيه بماء الزهر أو البخور في الثقافات العربية.

- مكان آمن للاختباء: يفضل أن يكون محاطاً برموز دينية أو تماثيل للحماية.

هذه الرمزية في الأدوات المستخدمة  تُظهر أن اللعبة ليست مجرد مزحة، بل تستند إلى موروث ثقافي روحي قديم، ولو بطريقة مشوهة.


خطوات الطقس

- تبدأ الطقوس عند الساعة 3:00 صباحاً بالضبط.

- يُردد اللاعب بصوت واضح ثلاث مرات: "سايشو وا (اسمك) ديسو" — وتعني: "الأول هو (اسمك)".

- توضع الدمية في الحوض، ثم يغادر اللاعب الغرفة دون النظر خلفه.

- بعد عد بطيء من واحد إلى عشرة، يعود اللاعب ويصرخ :
"(اسم الدمية)، ميتسوكتا !" — أي "وجدتُكِ يا (اسم الدمية) !"، ثم يطعن الدمية بالأداة الحادة.

- بعدها، يقول ثلاث مرات: " إيما (اسم الدمية) وا أوني ديسو " — أي "الآن (اسم الدمية) هو دورك في البحث ".

- يترك الأداة مغروسة في الدمية، ثم يضع القليل من الماء المالح في فمه دون ابتلاعه، ويحمل معه باقي الكوب إلى مكان اختبائه.

- في هذه المرحلة، يُعتقد أن الدمية أصبحت مسكونة بروح، وتبدأ "البحث" عن اللاعب.

- أي صوت أو حركة قد تكشف مكانه، ويقال إن الدمية إن عثرت عليه، قد تطعنه أو تحاول السيطرة على جسده.

كيفية إنهاء الطقس: دور الماء المالح

إنهاء اللعبة بشكل صحيح خطوة مصيرية، لأن نسيانها أو تنفيذها بشكل خاطئ قد يترك الباب مفتوحاً أمام الروح.

- بعد مرور الوقت الذي يراه اللاعب كافياً، يخرج من مكان الاختباء حاملاً كوب الماء المالح.

- يبحث عن الدمية، التي قد لا تكون في الحوض حيث وُضعت أول مرة.

بمجرد العثور عليها:

- يشرب الماء المالح الموجود في فمه بالكامل.

- يرشّ الباقي من الكوب حول الدمية على شكل دائرة.

- يغمض عينيه ويصرخ ثلاث مرات: "أنا الفائز !" — لإعلان نهاية اللعبة.

بعدها، يجب التخلص من الدمية فوراً، عبر دفنها في التراب مع كمية كبيرة من الملح.

بعض الإصدارات تنصح برش الملح في كل زاوية من زوايا المنزل، خاصة في الأماكن التي تواجدت فيها الدمية.

لماذا يُعتبر هذا الجزء الأخطر ؟

إذا لم يتم إنهاء  الطقس بطريقة صحيحة :

- يُعتقد أن الروح قد تظل مرتبطة بالدمية، فتعود للظهور أو تسبب حوادث في المنزل.

- بعض الشهادات تقول إن الدمية التي لم تُدفن بالملح قد تعود للتحرك أو "تبحث" عن اللاعب في الليالي التالية.

- هناك تحذيرات شديدة من أن طمر الدمية دون ملح يفتح المجال لـ"لعنة مستمرة" يصعب كسرها.

شهادات وتجارب مزعومة

في منتديات يابانية وكورية، شارك أشخاص تجاربهم مع اللعبة. بعضهم تحدث عن:

- أصوات همسات أو خطوات قادمة من أماكن فارغة.

- حيواناتهم الأليفة تصرفت بعنف أو خوف شديد أثناء الطقس.

- تحرك الدمية من مكانها رغم عدم لمسها.

- شعور مفاجئ بالاختناق أو بوجود شخص خلفهم.

إحدى القصص الأكثر شهرة تروي أن فتاة لعبت هيتوري كاكورينبو مع دمية على هيئة فتاة صغيرة، لكنها وجدت الدمية في غرفة نومها صباح اليوم التالي رغم أنها دفنتها مع الملح في الحديقة ، ومع ذلك، لا توجد توثيقات علمية أو جنائية لهذه الأحداث، ما يرجح أن الكثير منها نتيجة تأثير نفسي للخوف والخيال.

التحليل النفسي: لماذا يخاف الناس ؟

يرى علماء النفس أن ألعاباً كهذه تستغل ظاهرة التوقع الإيحائي، حيث يتهيأ عقل الشخص لرؤية أو سماع ما يخشاه ، فالظلام والصمت والساعة الثالثة فجراً تخلق حالة من التوتر الحاد ، وجود رمزية دينية وسحرية يجعل اللاعب أكثر تقبلاً لفكرة حدوث ماورائيات ، الخوف يرفع مستويات الأدرينالين، ما يؤدي إلى الهلوسة السمعية أو البصرية ، يشبه ذلك التأثير ما يحدث مع جلسات استحضار الأرواح أو لوح ويجا، حيث يكون ما "يحدث" غالباً نابعاً من عقل المشاركين لا من قوى خارقة.

حتى لو لم تكن اللعبة تستدعي أرواحاً حقيقية، فإن خطرها النفسي حقيقي جداً فقد تسبب صدمة نفسية أو نوبات ذعر شديدة، خاصة لمن يعانون من القلق أو اضطرابات النوم ، بعض اللاعبين أصيبوا بكوابيس مستمرة وشعور بـ البارانويا (جنون الارتياب) ، إذا كان هناك سلاح حاد ضمن اللعبة، قد تحدث إصابات جسدية نتيجة الخوف أو الارتباك.

في اليابان، أصدرت بعض المدارس تنبيهات للأهالي بعد انتشار اللعبة بين المراهقين، محذرة من أنها قد تؤدي إلى إيذاء النفس أو فقدان السيطرة.

مقارنة مع ثقافات أخرى

هذه اللعبة تشبه لعبة الويجا في الغرب، حيث يُعتقد أن الأرواح تتحكم بمؤشر اللوح ، كما أن مفهوم "ربط الروح في دمية" له جذور قديمة في السحر، نجده أيضاً في طقوس الفودو في الكاريبي.

وفي الختام ، رغم أن هيتوري كاكورينبو تبدو لعبة مثيرة لعشاق الرعب، إلا أنها في حقيقتها أسطورة حضرية تطورت على الإنترنت، ولم يثبت علمياً أنها تستدعي الأرواح فعلياً ، لكن هذا لا يقلل من خطورتها النفسية، إذ قد تترك آثاراً دائمة على من يجربها، خاصة من لديهم استعداد نفسي للتأثر بالخوف.

تحذير

اللعب بهذه الطقوس، حتى لو كانت خرافية، يمثل تحدياً لعالم المجهول ويعرّض النفس لمخاطر كبيرة ، السحر والطقوس الغامضة ليست ألعاباً، وأي خطأ قد يتحول إلى مأساة.

" إذا أردت اللعب، فاختر ألعاباً حقيقية، لا ألعاباً مع الأرواح."

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ