15 أغسطس 2025

زوابعة : سيد الفوضى وبث الرعب



زوابعة الجني - سيد الرياح والفوضى وبث الرعب
إعداد : كمال غزال
في عالم السحر تبرز أسماء لجن وأرواح تحمل دلالات عاطفية وشهوانية قوية، ومن أبرزها "ميمون الزهراني"، أو كما يُعرف في بعض الكتب السفلية بـ"ميمون النكاح"،  رغم أنه ليس من ملوك الجن السبعة الكبار إلا أنه حاضر بقوة في الطقوس المرتبطة بكوكب الزهرة (فينوس)، ويعد خادماً روحياً فريداً يُستحضر لأغراض الجمال، الحب، التهييج، وجذب الأنظار.

"زوابعة" أو "زاوبعة" هو اسم يثير الرهبة في المخطوطات السحرية العربية، ويمثل واحداً من أكثر الكائنات الغامضة في عالم الجن الهوائي ، مع أنه لا ينتمي إلى الملوك السبعة الكبار المعروفين في السحر العربي إلا أنه يحظى بمكانة خاصة بين السحرة الشعبيين، إذ يُستدعى في طقوس تهدف إلى إحداث الفوضى، بث الرعب، أو حماية الساحر من قوى غير مرئية. 

هذه الشخصية تندمج فيها الأسطورة مع الطقس العملي، ويصعب أحياناً التفريق بين ما هو خيال وما هو تجربة يرويها ممارسو السحر.

أصل الاسم والمعنى الرمزي

كلمة "زوابعة" مشتقة من "الزوبعة" وهي الدوامة الهوائية أو العاصفة الصغيرة المفاجئة ، في الموروث العربي ترتبط الزوابع بالجن حتى أن بعض القبائل كانت ترى في الدوامة الصغيرة مرور "ركب الجن" ، أما رمزياً فهو يمثل قوة الهواء الجامحة والانتقال السريع بين العوالم، والقدرة على الإخفاء والمراوغة، لذلك فهو يُصنف غالباً كـ"جن هوائي مختلط" (هوائي ناري).

مكانته السحرية

ليس ملكاً كونياً كالأربعة الكبار المرتبطين بالعناصر، لكنه ملك إقليمي أو وظيفي للرياح في الطبقات السفلية أو الوسطى لعالم الجن ، ويجري تصويره في بعض المخطوطات كظل دوامة غبار، وأحياناً كخيال طويل الرأس يذوب في الهواء ، وفي بعض المخطوطات المغربية يلقب بـ"أبو الريح"، وفي اليمن يعرف بـ"سيد الزوابع".

في الموروث الشعبي


- الجزيرة العربية: الأطفال يُنهون عن الركض داخل دوامات الغبار " لئلا يخطفهم زوابعة ".

- العراق: إذا دوّت الريح في منتصف الليل بلا سبب، يقال "زوابعة مرّ من هنا".

- المغرب: صوت صفير الرياح في الجبال يفسر أحياناً بأنه موكب زوابعة وأتباعه.

- السودان: يستعان باسمه لطرد الجن الهوائي في طقوس "الريح الطيّارة".


وظائفه

يستدعى من قبل المشعوذيبن لتنفيذ أحد المآرب التالية :

- إحداث الفوضى: إطلاق طاقة هوائية مشوشة لتعطيل اجتماعات، تخريب طقس لخصم، أو تشتيت انتباه العدو.

- الحماية: تطويق الساحر بهالة من الرياح تمنع اقتراب الجن الآخرين.

- النقل الروحي: حمل رسائل بين السحرة في شكل "همس هوائي".

- التحقيق والكشف: تسريع حضور كائنات روحية أخرى عن طريق اختراق الحواجز.

- إثارة الرعب: بث أصوات صفير أو طرق النوافذ ليلاً.


شروط الاستحضار


المكان: أسطح المنازل، الصحارى، أو أماكن مفتوحة بعيدة عن الضوضاء.

الزمن: يوم الأربعاء، في الساعة الفلكية لعطارد.

الأدوات: بخور صندل أو جاوي، مع رسم طلاسم هوائية (دوامات أو خطوط متقاطعة).

التحذير: لا يُستدعى مرتين متتاليتين، وإلا يثور غضبه.


تشابه مع ثقافات أخرى

في الميثولوجيا الإغريقية نجد لزوابعة تشابهاً مع "آيولوس" إله الرياح الذي يطلق العواصف ، وفي الفولكلور الأوروبي هناك شخصية "ويتش ويند" (ريح الساحرة) التي تخطف الأطفال في العواصف الصغيرة ، وفي الموروث الفارسي يشبه "باذ دَيو" وهو من الجن الهوائيون في المكر والسرعة.

قصص واقعية

- حكاية من شمال اليمن (1978): راعي أغنام شاهد دوامة غبار صغيرة تتبعه لمسافة طويلة في الوادي، وعندما رمى عصاه نحوها، سمع صوتاً غاضباً يقول: "ابتعد عن طريقي".

- قرية في المغرب (2003): أثناء جلسة تحضير أرواح، دوّت الرياح داخل غرفة مغلقة، وانطفأت الشموع فجأة، وأقسم الحاضرون أنهم سمعوا صفيراً يشبه اسم "زاوبعة".

- الربع الخالي (خمسينيات القرن الماضي): قافلة بدوية فقدت طفلاً في دوامة رملية مفاجئة، ولم يُعثر عليه رغم قرب المسافة.

التفسير النفسي والفيزيائي

من الناحية النفسية قد يكون زوابعة إسقاطاً أسطورياً لتجربة الرعب الفجائي من الظواهر الجوية في البيئات المفتوحة ، أما فيزيائياً فهو يرمزإلى الدوامات الهوائية الصغيرة Dust Devils المعروفة علمياً وتحدث بسبب اختلاف درجات الحرارة، لكن صوتها وشكلها قد يثيران المخيلة ويجعلانها مادة خصبة للأساطير.

وفي الختام ، زوابعة ليس مجرد شخصية أسطورية في السحر العربي، بل هو انعكاس لرهبة الإنسان من قوى الطبيعة غير المتوقعة، ودمج بين الميثولوجيا والطقس السحري العملي ، سواء كان كائناً حقيقياً في عالم الجن أو رمزاً للطاقة الهوائية الجامحة، فإنه يبقى واحداً من أكثر الرموز إثارة في الفولكلور السحري العربي.

تنبيه

استحضار الجن أو محاولة التواصل معهم – سواء كان باسم "زوابعة" أو غيره – محرم شرعاً في الإسلام لما فيه من استعانة بالشياطين واللجوء إلى السحر والكهانة، وهي من الكبائر التي توعد الله ورسوله فاعلها بالعقوبة.

قال الله تعالى: "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" (الجن: 6)

وفي الحديث الشريف : "من أتى كاهناً أو عرّافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد" (رواه أحمد).

لذلك فإن أي طقس أو عمل يزعم استحضار هذه الكائنات هو باب من أبواب السحر والشرك، يجب الحذر منه وعدم الانخراط فيه، والاكتفاء بالتحصن بالأذكار والرقية الشرعية لحماية النفس من شرورهم.


إقرأ أيضاً ...

- أبرز شخصيات الجن في طقوس السحر العربي

- هل يؤثر السحر فعلاً ؟ تحليل نفسي اجتماعي لظاهرة مستمرة

ميمون السحاب : جن طيار يركب الغيم ويكشف الأسرار

- أبو محرز الأحمر: سيد النار والدم

الملك طارش: خازن الكنوز المرصودة وسيد العمار

ميمون الزهراني : سيد طقوس الجذب والشهوة

شمهروش قاضي الجن : بين السحر والقداسة

- السوداء: سيدة الطقوس السفلية في السحر العربي

- استخدام النباتات  في طقوس السحر والشعوذة

- الحيوانات في طقوس السحر والشعوذة

طهطائيل وخدام الحروف السبعة

طقوس كناوة : إحتفالية ملوك الجن

شمس المعارف الكبرى

- الكيانات الخفية : بين التسخير والانسجام

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ