في عام 1934، شهدت إيطاليا واحدة من أكثر القضايا غرابة في تاريخ الطب الشعبي والظواهر الماورائية.
لم تكن آنا مونارو، الفتاة الفينيسية الهاوية في ركوب الدراجات، معروفة بإنجازاتها الرياضية، بل اشتهرت بظاهرة غامضة حيرت الأطباء والعلماء: أثناء نومها، كان يصدر من صدرها وهج ضوئي خافت، أقرب إلى توهج أخضر يمكن رؤيته بالعين المجردة.
القضية جذبت انتباه البروفيسور جوزيبي كاليغاريس (Giuseppe Calligaris)، الطبيب العصبي المعروف ببحوثه غير التقليدية حول العلاقة بين الجسد والعقل والطاقة الدقيقة، فوثق تلك الحادثة باعتبارها "انبعاثاً ضوئياً بيولوجياً" غير مألوف.
التوثيق التاريخي
طوال عدة أسابيع، سجّل الشهود - وبينهم أطباء - ملاحظاتهم عن الضوء الصادر من صدر مونارو أثناء نومها.
خضعت لعدة فحوص سريرية، ولم يُكتشف أي خلل في استقلابها أو أي تفاعل كيميائي في جلدها، كما لم تُسجل أمراض تفسر هذه الظاهرة، ورغم ذلك، تكررت المشاهدة، مما أبقى الحدث في دائرة الغموض.
أرشيف الطب غير التقليدي حفظ اسم آنا مونارو كواحدة من الحالات النادرة لما يُعرف اليوم بـ "التلألؤ البشري التلقائي" أو Spontaneous Human Luminescence، وهي فكرة قريبة من ظاهرة "الانبعاث الضوئي الخلوي" التي يدرسها العلم الحديث.
من البايوفوتونات إلى الإدراك البصري
العلم المعاصر قدّم إطاراً يتيح تفسير الظاهرة – ولو بشكل جزئي – من خلال مفهوم الانبعاث الفوتوني الضعيف جداً (Ultra-Weak Photon Emission, UPE).
فقد أثبتت تجارب مخبرية أن الخلايا الحية تصدر فوتونات (جسيمات ضوئية) نتيجة تفاعلات الأكسدة الحيوية داخل الميتوكوندريا. لكن هذه الانبعاثات ضئيلة للغاية، بمعدل أضعف بمليارات المرات من قدرة العين البشرية على رصدها.
بالتالي، وفق المعطيات العلمية، من غير الممكن أن يتوهج جسد إنسان بشكل يُرى بالعين المجردة إلا إذا وُجد عامل خارجي مثل:
- مواد كيميائية فلورية على الجلد.
- إشعاع أيوني أو تفاعل بيئي خاص.
- خداع بصري ناجم عن الضوء المحيط أو انعكاسه.
التفسيرات البديلة
التأثير النفسي والجماعي: قد تكون المشاهدات نتاج إيحاء جماعي أو هلاوس بصرية بسبب الظلام الجزئي والانتظار المترقب، وهي حالات موثقة في علم النفس.
العامل البيئي: من المحتمل أن يكون للغرفة أو الملابس أو حتى بعض المراهم أو العرق تأثير في عكس الضوء بطريقة جعلت الحاضرين يظنون أن الجسد يصدر وهجاً.
التفسير الباراسيكولوجي: بعض الباحثين ربطوا الظاهرة بالحالات العاطفية أو الروحية القصوى، معتبرين أن مونارو قد عكست – عبر جسدها – طاقة حيوية فيزيولوجية نادرة.
بين العلم والماورائيات
ما يجعل قضية آنا مونارو مثيرة أنها تمثل نقطة تماس بين العلوم الصلبة (الفيزياء الحيوية والكيمياء) والعلم الموازي (الباحثون في الطاقات الخفية والباراسيكولوجيا).
لم يجد العلم الحديث حتى اليوم تفسيراً مقنعاً لظهور توهج بشري مرئي دون تدخل خارجي، لكنه يعترف بوجود إشعاع فوتوني ضعيف في الكائنات الحية. أما الماورائيون، فيرون فيها دليلاً على "الهالة الحيوية" أو "الطاقة الكونية" التي قد تنبثق في ظروف معينة.
وفي الختام ، تبقى قصة آنا مونارو مثالاً كلاسيكياً على ظاهرة عابرة للحدود: حدود الطب التقليدي، وحدود الإدراك البشري، وحدود ما يمكن للعلم أن يفسره. وبينما يميل العلماء إلى التشكيك أو ربطها بخدع بصرية وظروف بيئية، يصرّ البعض على أنها دليل على قدرات غير مكتشفة للجسد البشري.
ومهما كان التفسير النهائي، فإن قصة الفتاة الإيطالية التي "توهجت أثناء نومها" ما زالت، بعد قرن تقريباً، تذكرنا بأن الإنسان لا يزال يحمل أسراراً لم تُكشف بعد.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .