![]() |
إعداد : كمال غزال |
هو شخصية تتجاوز حدود التصنيف: ملَك في الميثولوجيا اليهودية والكابالية، وملِك للجن العلويين في التراث العربي الإسلامي.
الأصول والأساطير
في النصوص اليهودية القديمة وكتب الكابالا، ميططرون هو الملاك الذي ارتقى من بشرية النبي إدريس/إخنوخ إلى مقام سماوي عظيم، حتى قيل إنه "كاتب السماء" الذي يسجّل أعمال البشر، و"يهوه الأصغر" لفرط قربه من الحضرة الإلهية ، وفي بعض التفاسير الإسلامية اللاحقة أشار السيوطي وغيرُه إلى ميططرون بوصفه ملاك الحجاب، الحارس على السرّ الإلهي. هذه الخلفية السماوية تسللت إلى السحر العربي، حيث تحول ميططرون من ملاك سامٍ إلى ملكٍ من ملوك الجن السبعة العلويين.
في نظام ملوك الجن السبعة
ارتبط اسم ميططرون بالشمس، رمز النور والهيبة ، يومه هو الأحد، اليوم الأول في التقويم السحري، حيث يبدأ الأسبوع بـ "طاقة الإشراق الروحي". بينما يتوزع الملوك الآخرون على بقية الكواكب والأيام مثل شمهورش للقضاء يوم الخميس، وطارش خازن الكنوز يوم السبت، يظل ميططرون الأعلى مقاماً من حيث الصفاء والنورانية.
يصفه البوني وغيره بأنه ملِك مجنّح ذو تاج عظيم، يحمل رمحاً أو صولجاناً، وأحياناً يُسمى ”حامل حربة موسى“. حضوره النوراني ساحق، حتى أن السحرة يحذرون من مجرد ذكر اسمه دون طهارة أو استعداد.
الوظائف الروحانية
استحضار ميططرون في الطقوس لا يكون للأذى أو التفريق، بل لأغراض ذات مقام رفيع:
- الهيبة والتمكين: تعزيز الشخصية أمام الملوك أو الخصوم.
- النصر والرفعة: الظفر في المواقف الحاسمة واسترداد الكرامة.
- إسكات الخصم: قهر الأعداء أو الأرواح السفلية.
- الإشراق الروحي: فتح أبواب الكشف والنور على قلب المستحضر.
- حماية الأرواح: من خلال صد القوى السفلية التي تحاول اختراق الطقس أو الإضرار بالمكان.
وقد ورد في بعض المخطوطات النادرة أنه يُستعان به أيضاً في استخراج الكنوز، ليس باعتباره خازناً لها (فتلك مهمة الملك طارش)، بل بصفته نوراً علوياً يحمي الروحاني من رصد الكنوز السفلية.
أسباب التحذير من ذكر اسمه
قوة نوره وهيبته
يُقال إن ميططرون يملك طاقة نورانية شديدة تفوق قدرة البشر العاديين على الاحتمال ، وذكر اسمه دون استعداد روحي (طهارة وصيام وخلوة) قد يعرّض المستدعي لارتباك نفسي أو لظهور عوارض غير متوقعة.
لا يجيب إلا للطاهرين
تؤكد المخطوطات أن ميططرون لا يلتفت إلى الساحر أو المستدعي إذا لم يكن نقي القلب والجسد. وبالتالي، من ينطق باسمه دون شروط الطهارة قد يعرّض نفسه للسخرية من الجن السفلي الذين يتدخلون بدلًا منه.
خشية الالتباس بينه وبين الملائكة
بعض العلماء حذروا من ذكر اسمه لأن أصله في الميثولوجيا اليهودية ملائكي، وتحويله إلى "ملك جن" قد يوقع في خلط عقائدي خطير، خاصة إذا رُفِع إلى مقام الألوهية عند البعض.
استدعاء الخدام بدل الملك
غالباً لا يحضر ميططرون بنفسه، بل يرسل خدامه. لذلك، أي خطأ في الذكر أو الطقس قد يستجلب أرواحاً أخرى تدّعي أنها خدامه فتقع السيطرة على المستدعي من جن سفلي خبيث.
خدامه من الجن
لا يظهر ميططرون شخصياً إلا نادراً، فالأغلب أن تُستدعى خدامه لتنفيذ الأوامر ، من أشهرهم السيد الأبيض: روح نورانية كبرى، يوصف بأنه كيان من الضوء، يُستحضر للشفاء والحماية ورفع الأذى ، يُقال أيضاً إن له سبعة خدام كبار، وجيشاً لا يُحصى من الأرواح النورانية، يعملون تحت سلطته ويستجيبون إذا ذُكر اسمه في القسم ، يُعتقد أن هؤلاء الخدام يهبطون كـ”سيّافين من نور“، يحيطون بدائرة العمل الروحاني دفاعاً عن المستحضر.
الطقوس والأقسام
طقوس استحضار ميططرون لا تشبه استحضار الملوك السفليين. يشترط فيها طهارة كاملة للجسد والروح ، خلوة وتأمل تمتد أياماً بصيام وذكر ، بخور طيب (كالعود أو اللبان) بدل الروائح الثقيلة ، والتوقيت يكون فجر الأحد حيث تتجلى طاقة الشمس.
من أقسامه المشهورة: ”قسم الحربة“، الذي يبدأ بـ”سبحان من كان ولا مكان…“، وهو زجر شديد يُلزِم الأرواح السفلية بالطاعة، هذه الأقسام ليست تسابيح وحسب، بل مزيج من الدعاء والأسماء العظيمة وأوفاق نورانية.
حضوره في الكتب والمخطوطات
ذُكر في شمس المعارف الكبرى للبوني في سياق الأعمال النورانية وفي كتاب الأنوار النورانية الذي يعد من أكثر الكتب تداولاً بين السحرة حيث يضعه في صدر الملوك ، وهناك مخطوطة مغربية تنسب لـ ميططرون قوة في استخراج الكنوز كما تنسب له أسراراً في الكشف عن الدفائن.
وذكر أيضاً في دقائق الحقائق (القرن 14م) الذي يصوره كملاك مجنّح تاجي يحمل رمحاً كما ورد اسمه في كتابات السيوطي وابن حزم وغيرهما، إما إشارة إلى ملائكة اليهود، أو تحذيراً من المبالغات حوله.
قصص واقعية
يروي بعض الروحانيين المعاصرين قصصاً عن استحضار خدام ميططرون:
- أحدهم كان يطلب الحماية قبل مواجهة قضائية ظالمة وبعد خلوة يوم الأحد شعر بطمأنينة نورانية ورأى في المنام رجلاً أبيض الثياب يقول: ”قم، فقد أُعطيت الهيبة“. وفي اليوم التالي كسب قضيته على غير توقع.
- آخرون يذكرون تجارب في استخراج كنوز قديمة، حيث كانت العوائق السفلية تُزال فجأة بعد ذكر اسمه، كأن نوراً غامراً يبدد الظلمة.
هذه القصص - وإن اختلط فيها الواقع بالرمز - تعكس مكانة ميططرون في المخيلة الشعبي: كيان لا يُستدعى للهو أو العبث، بل للمهام المصيرية حيث يحتاج المرء إلى قوة نورانية فوق العادة.
وفي الختام ، يبقى ميططرون شخصية غامضة تجمع بين العلو السماوي والسلطة الروحانية ، هو "الملاك القديم" وملك الجن العلوي معاً، رمزٌ لهيبة الشمس ونور الأحد، واسمٌ يثير الرهبة حتى عند السحرة ، بين المخطوطات القديمة والقصص الشفوية، يظل حضوره شاهداً على تمازج الموروثات: من كابالا اليهود إلى السحر العربي، من الملائكة إلى الجن.
فهل هو ملكٌ علويّ بالفعل حاضر في عالم الغيب ؟ أم أنه صورة رمزية لسلطة النور التي يبحث عنها الإنسان منذ الأزل ؟ الجواب يظل معلقاً بين الإيمان والخيال… حيث يقف ميططرون، سيد الهيبة والعلو، على عرش الجن العلويين.
تنبيه
- كل ما قيل أعلاه عن استحضار ميططرون أو غيره من ملوك الجن هو من الموروث السحري لا من العقيدة الإسلامية.
- استدعاء الجن بأي صورة لا يجوز شرعاً، ويُعتبر شركاً بالله ومفسدة للدين والدنيا.
- السبيل المشروع لرفع الهيبة والحماية والنصر هو من خلال اللجوء إلى الله وحده عبر الدعاء والعبادة والتقوى.
إقرأ أيضاً ...
- أبرز شخصيات الجن في طقوس السحر العربي
- الملك طارش: خازن الكنوز المرصودة وسيد العمار
- شمهروش قاضي الجن : بين السحر والقداسة
- ملكيصادق: الملك الغامض بين العدل والخلود
- الجن في التصور الإسلامي والأسطوري
- هل يؤثر السحر فعلاً ؟ تحليل نفسي اجتماعي لظاهرة مستمرة
- ميمون السحاب : جن طيار يركب الغيم ويكشف الأسرار
- أبو محرز الأحمر: سيد النار والدم
- ميمون الزهراني : سيد طقوس الجذب والشهوة
- زوابعة : سيد الفوضى وبث الرعب
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .