24 أغسطس 2025

نظرية الحلم الموازي

الحلم في كون موازي - نظرية غريبة
إعداد :  كمال غزال

لطالما كانت الأحلام من أكثر الظواهر الإنسانية إثارة للدهشة والغموض، فمنذ آلاف السنين تعاملت الثقافات مع الأحلام باعتبارها رسائل من الآلهة، أو انعكاساً للروح، أو حتى نوافذ لعوالم أخرى، غير أن إحدى النظريات غير المألوفة التي برزت في العقود الأخيرة تفترض أن ما نراه في المنام ليس مجرد نتاج عقل باطن أو تفريغ للذاكرة، بل هو تجربة تحدث في واقع آخر متوازٍ مع عالمنا ، يُطلق عليها نظرية "الحلم الموازي" Parallel Dream Theory.


ما هي نظرية الحلم الموازي ؟

هي تصور فلسفي–ماورائي يرى أن الأحلام ليست مجرد صور ذهنية، بل انعكاسات أو تجارب في أكوان متوازية،  وفق هذه الفرضية، فإن الإنسان عندما ينام قد لا يقتصر نشاط وعيه على الدماغ فقط، بل "ينزاح" أو "ينتقل" إلى بعد آخر يعيش فيه نسخة بديلة عنه، أو يختبر حياة مختلفة.

هذه النظرية تمثل خروجاً عن الطرح النفسي الكلاسيكي الذي يفسر الأحلام باعتبارها إسقاطات من اللاوعي (كما في التحليل الفرويدي)، أو عمليات تنظيم عصبي (كما في علم الأعصاب الحديث)، إنها تضع الأحلام في صميم النقاش الفلسفي حول تعدد العوالم، والهوية، والوعي.

من منظور الميتافيزيقا والفلسفة تكون الفكرة قريبة من مفهوم "الأكوان المتعددة" في الفلسفة القديمة، حيث يرى البعض أن لكل إنسان نسخاً موازية في عوالم أخرى ، أما من منظور الفيزياء الحديثة يستشهد بعض أنصار النظرية بمبدأ العوالم المتعددة  Many-Worlds Interpretation  في ميكانيكا الكم أو فيزياء الكم، والذي يقترح أن كل احتمال كمي ينتج عنه كون موازٍ ، بينما في الروحانيات يُنظر إلى الحلم كرحلة للروح في عوالم أخرى غير مادية وذلك في تقاليد شرقية مثل البوذية والهندوسية.

كيف يختلف الحلم الموازي عن الحلم العادي ؟

يكون الحلم التقليدي أو العادي نتاج نشاط كهربائي عصبي، إعادة معالجة للذاكرة، أو تفريغ نفسي ، بينما الحلم الموازي يكون نتاج خبرات "حقيقية" تحدث في عالم آخر، قد يشعر الفرد خلالها بوضوح ورسوخ شديدين، وأحياناً بتفاصيل تفوق وعيه اليومي.

يصف بعض الناس أحلاماً مميزة بكونها أكثر واقعية من الواقع نفسه، مع إحساس قوي بالزمن، والروائح، والألوان، وحتى الألم، هؤلاء غالباً ما يُشار إليهم كأشخاص "اختبروا الحلم الموازي" ، على سبيل المثال هناك من يحلم باستمرار بنفس المدينة أو الأشخاص الذين لم يلتق بهم في حياته الواقعية، وكأنه يعيش حياة ثانية موازية ، وأحياناً تتحقق بعض تفاصيل الأحلام لاحقاً مما يدفع البعض إلى ربطها بفكرة أن "الوعي في العالم الموازي" يسبق الزمن في عالمنا أي الأحلام التنبؤية، وعلى صعيد آخر هناك أحلام يشعر فيها الحالم وكأنه فعلاً التقى شخصاً متوفى في واقع موازٍ ما يزال فيه على قيد الحياة كما في أحلام اللقاء بالأحبّة الراحلين.

كيف يفسرها العلم التجريبي ؟

العلم التقليدي يتعامل مع الأحلام بصرامة فهو يراها تندرج في إحدى التفسيرين التاليين، وفي الوقت نفسه يرفض فكرة الأكوان المتوازية ، لأنه لا يوجد حتى الآن أي دليل تجريبي على أن الأحلام تمثل انتقالاً لوعي الإنسان إلى واقع آخر 

التفسير العصبي: الأحلام تنشأ في مرحلة من النوم تسمى مرحلة حركة العين السريعة (REM) حيث يزداد نشاط الدماغ، خصوصاً في الفصوص المسؤولة عن الذاكرة والصور البصرية.

التفسير النفسي: الأحلام وسيلة لتنظيم العواطف، معالجة الصدمات، أو إسقاط الرغبات المكبوتة.


مع أن النظرية مثيرة، لكنها لا تملك أساساً تجريبياً فيزيائياً أو بيولوجياً، قد تكون بعض "الأحلام الموازية" مجرد نشاط دماغي عالي الدقة، يخلق إحساساً بالواقعية وليس انتقالاً فعلياً، كما أن بعض التيارات بالغت في ربطها بـ السفر النجمي أو استحضار الأرواح، مما أضعف مصداقيتها في الأوساط الأكاديمية.

لكن في المقابل، تبقى ظواهر مثل الأحلام المشتركة غير مفسرة حيث يحلم شخصان في نفس الوقت بتفاصيل متشابهة ، أو الأحلام التنبؤية التي يصعب تفسيرها علمياً، وهو ما يجعل نظرية الحلم الموازي مستمرة كإطار فلسفي مغرٍ.

البعد الفلسفي والماورائي

نظرية الحلم الموازي تطرح أسئلة عميقة: 

هل وعينا محدود بعالم واحد فقط ؟

إذا كانت الأحلام أبواباً لعوالم أخرى، فهل نحن نحيا أكثر من حياة واحدة في نفس اللحظة ؟

كيف يمكن أن نميز بين "الواقع" و"الواقع الموازي" إذا كان كلاهما يبدو حقيقياً للوعي ؟


في الختام ، تُعتبر نظرية الحلم الموازي إحدى أكثر التصورات غرابة في فهم الأحلام فهي تجمع بين العلم والماورائيات، وبين الفلسفة والتجربة الفردية، وعلى الرغم من أنها لم تحظَ بقبول علمي واسع، إلا أنها ما تزال تحظى بجاذبية لدى الباحثين عن معنى أعمق للوعي، والحالمين الذين يصرّون أن ما عاشوه في المنام لا يقل حقيقة عن ما يعيشونه في اليقظة.

الحلم الموازي ليس مجرد فرضية عن النوم، بل رؤية شاملة للوجود ذاته: هل نحن كائنات مقيدة بعالم واحد، أم عابرون بين عوالم متعددة لا نعيها إلا حين نغفو ؟

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ