4 نوفمبر 2025

بورلي ريكتوري : البيت الأكثر رعباً في إنجلترا

أشهر منزل مسكون في بريطانيا - شبح الراهبة المقتولة - أشباح
إعداد :  كمال غزال

في قرية صغيرة هادئة تدعى بورلي ، تقع في مقاطعة إسكس شرقي إنجلترا، كان يقف منزل عادي المظهر من الخارج، لكنه تحول خلال القرن العشرين إلى أشهر بيت مسكون بالأشباح في العالم.

 منزل بورلي ريكتوري Borley Rectory، الذي وصفه الباحث النفسي البريطاني هاري برايس بأنه « المنزل الأكثر رعباً في إنجلترا».

لم يكن مجرد مبنى على الطراز القوطي الفيكتوري، بل مسرحاً لعشرات الحكايات الغامضة التي حيرت العلماء وأثارت خيال الصحافة والجمهور لعقود طويلة.


بيت كاهن تحول إلى أسطورة

بُني المنزل عام 1862 ليكون مقراً لرئيس أبرشية القرية القس هنري بول وعائلته. كان البناء واسعاً ومهيباً، يتكون من ثلاثة طوابق ويضم أكثر من عشرين غرفة، تحيط به حديقة هادئة يُطلق عليها السكان اسم "ممشى الراهبة"  Nun’s Walk ، لكن منذ السنوات الأولى، بدأت القصص تدور حول أصوات خطوات مجهولة، وأجراس تدق دون أن يلمسها أحد، وأضواء تظهر في نوافذ مغلقة.

يقال إن الأرض التي بُني عليها المنزل كانت يوماً موقعاً لديرٍ قديم، حيث عوقبت راهبة وراهب على علاقة محرمة بينهما؛ فقُتل الراهب، بينما جرى تجويف الراهبة داخل جدار حجري لتُدفن حية. ومنذ ذلك الحين، تزعم الأسطورة أن روحها تخرج ليلاً لتسير في ممشى الراهبة قرب البيت، تبحث عن الخلاص.

تجارب عائلة بول: بداية الاضطرابات

كانت عائلة بول  أول من عاش تلك التجارب. ففي عام 1900، رأت أربع من بنات القس «شبح راهبة» في الحديقة، واقتربن منها، لكنها اختفت في الهواء. كما أبلغ أفراد العائلة عن ظواهر أخرى:

- طرقات على الجدران دون مصدر.

- أجراس الكنيسة تدق رغم أنها كانت غير موصولة.

- ظلال تظهر في الممرات، وخيول تجر عربة شفافة عند منتصف الليل.

ومع ذلك، لم تغادر العائلة المنزل، إذ كان القس بول مقتنعاً بأن ما يحدث هو «اختبار من الله».

القس سميث وصحيفة ديلي ميرور

في عام 1928 انتقل القس غاي سميث وزوجته إلى المنزل. لم تمضِ أسابيع حتى أبلغوا عن ظواهر مشابهة: أصوات أجراس، طرقات على الأبواب، وضوء يلمع في الممرات. أرسلت الزوجة رسالة إلى صحيفة ديلي ميرور البريطانية تطلب المساعدة من الباحثين في الظواهر الخارقة ، كانت تلك بداية التحول الكبير، إذ أرسلت الصحيفة باحث الخوارق الأشهر في البلاد هاري برايس للتحقيق في ما يجري.

زيارة هاري برايس

في يونيو 1929، وصل برايس إلى المنزل مصطحباً أدواته: كاميرات، ميكروفونات، أجهزة تسجيل حرارة، وحتى متطوعين لمراقبة الظواهر. وفي الليلة الأولى، بدأ ما أسماه لاحقاً بـ«العاصفة الروحية»:

- حجارة وأوان زجاجية تُقذف في الهواء.

- أوراق تحترق تلقائياً.

- أصوات همسات غامضة باللغة اللاتينية.

نشر برايس ملاحظاته في الصحف، لتتحول قرية بورلي إلى مقصد للفضوليين والصحافيين، بينما تضاعفت القصص وتعددت الروايات.



ماريان فوستر والكتابات الغامضة

لاحقاً، سكن المنزل القس ليونيل فوستر وزوجته ماريان بين عامي 1930 و1935. كانت ماريان محوراً لأغرب الظواهر ، إذ بدأت تظهر  كتابات بالطبشور  على جدران المنزل، بدأت تقول: " ماريان، أرجوك ساعديني كي أخرج"

كانت تُمحى وتعود لتظهر من جديد، وكأن روحاً تسكن الجدران ، كما رُويت قصص عن صوت ينادي باسمها في الممرات، وأجراسٍ تدق من تلقاء نفسها، وأشياء تتحرك دون لمس.

الحريق والنهاية المأساوية

في عام 1939، شب حريق غامض داخل المنزل، التهم أغلب أجزائه. قال أحد الجيران إنه رأى «ظلاً أسود» يخرج من النوافذ قبل اندلاع النيران بدقائق ، بعد الحريق، بقيت الأنقاض حتى عام 1944 حين تم هدمها بالكامل. لكن شهرة المنزل لم تُدفن معه؛ فقد نشر هاري برايس كتابين لاحقاً ، الأول حمل عنوان " أبرز بيت مسكون في إنجلترا " The Most Haunted House in England في عام 1940، وكتاب آخر "نهاية بورلي ريكتوري" The End of Borley Rectory في عام 1946 ، وفيهما أكد أن النشاط فوق الطبيعي حقيقي، مستنداً إلى مئات الشهادات والصور.

بعد برايس: تحقيقات ونقض

في خمسينيات القرن العشرين، أعادت جمعية البحوث النفسية البريطانية SPR دراسة القضية. وبعد مراجعة الوثائق، خلصت إلى أن كثيراً من الظواهر كان يمكن تفسيرها بعوامل طبيعية أو خداع بصري ، بعض الأحداث - كالكتابات على الجدران -  ربما كانت من فعل السيدة ماريان نفسها في حالة توتر نفسي ، برايس قد يكون ضخم بعض الحوادث بدافع الشهرة ، ورغم ذلك، لم تُغلق القضية نهائياً؛ إذ أصر بعض المحققين المستقلين لاحقاً على أن هناك تسجيلات لأصوات وظلال لم يتم تفسيرها علمياً بعد.



بورلي اليوم: أطلال تعج بالفضوليين

اليوم، لا وجود للمنزل ذاته، لكن موقعه لا يزال مقصداً لعشاق الماورائيات. الزوار يتحدثون عن همسات تسمع قرب الكنيسة المجاورة، وأجهزة استشعار تظهر اضطرابات مغناطيسية خفيفة. كما تقيم بعض القنوات الوثائقية رحلات ليلية في المكان، بحثاً عن «روح الراهبة» التي لا تزال -  كما يقال -  تمشي كل عام في ليلة الرابع من ديسمبر، ذكرى مقتلها المزعوم.

وفي الختام ، ليس منزل بورلي ريكتوري مجرد قصة شبح، بل مثال حي على كيف تتحول الظواهر الغامضة إلى أسطورة ثقافية ، هل كانت تلك الأصوات حقيقية ؟ أم انعكاساً لتوترات نفسية في زمن كانت فيه الماورائيات موضة العصر الفيكتوري ؟ الجواب لا يزال معلقاً بين العلم والإيمان، لكن المؤكد أن ذاكرة المكان أقوى من جدرانه.



حتى بعد أن اختفى المبنى، بقيت حكايته تؤكد أن الإنسان - في مواجهة المجهول - لا يتوقف عن البحث عن الأشباح التي تسكن داخله قبل أن يبحث عنها في الظلال.

سيبقى منزل بورلي ريكتوري علامة فارقة في تاريخ الظواهر الماورائية البريطانية؛ ليس لأنه الأكثر رعباً فحسب، بل لأنه شكّل نقطة التقاء بين العلم والخيال، بين التوثيق والأسطورة.

وفي ذاكرة الباحثين، ما زال يمثل الحالة النموذجية لدراسة «البيوت المسكونة»، رمزاً لسحر لا يزال يطل من بين رماد أطلاله... كأن شيئاً ما هناك لم يغادر بعد.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ