![]() |
| إعداد : كمال غزال |
بداية اللعنة
كان هناك كاهن يُدعى سومشرما، من طبقة البراهمن المقدسة، يعيش في معبد صغير على ضفة نهر «غودافاري».
كان معروفاً بحكمته وسعة معرفته بالنصوص الفيدية، لكنه كان يطمع بما هو أكثر من التنوير الروحي؛ أراد أن يملك قوة الملوك.
وذات ليلة، اكتشف في المخطوطات القديمة تعويذة تسمى «مانترا الملوك»، وهي دعاء محرم يُقال إنه يفتح أبواب العالم الأعلى ويمكّن الذي يتلوها من السيطرة على قوى كونية ، خالف سومشرما وصايا معلمه، وتلا المانترا في منتصف الليل قرب تمثال الإله فيشنو. لكن بدلاً من أن يُكلَّل بالنور، انبثق من حوله دخان أسود كثيف، وسمع صوتاً هادراً يقول: « من يطلب المُلك من غير نصيبه، يجعل جسده طعاماً للظلال. » ، سقط الكاهن ميتاً في الحال، لكن موته لم يكن نهاية قصته.
ميلاد البراهما راكشاس
تقول الأسطورة إن روحه لم تجد طريقها إلى عالم النور، وهكذا عادت في هيئة جديدة - مخلوق يُدعى براهما راكشاس، نصفه كاهن ونصفه شيطان، يحمل في وجهه ملامح الحكيم وفي عينيه لهيب الجحيم.
منذ ذلك اليوم، صار الناس يرون ظلاً طويلاً يتحرك قرب شجرة «البيبال» القريبة من المعبد. وفي الليالي الرطبة، يسمعون همس التعاويذ القديمة يصعد من بين أغصانها ،ويُقال إن من يقترب من تلك الشجرة بعد منتصف الليل يسمع الكاهن يهمس: « أعد لي تعويذتي... أعد لي النور الذي سرقته مني.» ، بالنسبة للمعتقدات الهندوسية تُعتبر شجرة البيبال (التين المقدس) مسكناً للآلهة ، حتى قيل أن بوذا نال التنوير تحتها.
صفاته وقواه الماورائية
وفق الموروث الهندوسي، لا يشبه براهما راكشاس أي شيطان آخر فهو يحتفظ بعلمه القديم وقواه السحرية التي كانت له في حياته السابقة ، يُقال إنه قادر على:
- التلاعب بالعقول وتخويف الحكماء.
- منح الثروة أو المعرفة لمن يرضيه، مقابل نُذُرٍ مظلم.
- الظهور في هيئة إنسان حكيم نهاراً، ثم يتحول ليلاً إلى مخلوق عملاق تغطي جسده النيران الزرقاء.
بعض الأساطير تصفه بأنه يعيش في أعالي الأشجار المقدسة، يلتهم أرواح الكهنة المتكبرين، وكأنما ينتقم منهم لذنبه.
لقاءات واقعية مزعومة
في قرى جنوب الهند، يروي الناس عن معابد مهجورة يسمع فيها المارة أصوات التراتيل القديمة، وعن كهنة اختفوا بعد محاولتهم طرد الروح الساكنة في المعبد ، وفي عام 1912 سجّل باحث بريطاني يُدعى إدوارد جايلز في مذكراته أثناء إقامته في منطقة «ماهاراشترا» أنه رأى تمثالاً غريباً لكاهن ضخم ذي أنياب، موضوعاً داخل شجرة بيبال، وقال له أحد الرهبان: « لا تقترب… إنه ليس تمثالاً، بل حارس من لحم وحجر.»
الرمزية والمعنى الفلسفي
براهما راكشاس ليس مجرد شيطان في الخرافة، بل رمز لفكرةٍ عميقة: أن المعرفة إذا لم تُطهَّر بالنية، تتحول إلى لعنة ، الكاهن الذي أراد أن يملك أسرار الكون، وجد نفسه أسيراً لجهله ، الأسطورة بذلك تحذر من الغرور الروحي، ومن تحويل العلم إلى وسيلة تسلط. ، ولهذا يُعلّق الكهنة الجدد في بعض المناطق لوحات كتب عليها: « احذر المانترا المحرمة، فإنها باب من نورٍ يقود إلى ظلام.»
أثر الأسطورة في المعتقد الشعبي
حتى اليوم، تُروى هذه القصة في الهند على لسان الرهبان وكبار السن، وتُستخدم لتحذير طلاب المعابد من التعمّق في ما لا يُفهم ، ويُعتقد أن تقديم القرابين الصغيرة — مثل اللبن أو الزهور البيضاء عند جذور شجرة البيبال يهدئ روح البراهما راكشاس ويمنع ظهوره في الأحلام ، أما من يسمع صوته في الليل، فليس عليه الرد أو الالتفات، لأن النظر في عينيه يربط الروح بعالمه.
ما وراء اللعنة
في الميثولوجيا الهندوسية، يختلط الإلهي بالشيطاني، والنور بالظلال ، قصة براهما راكشاس ليست مجرد أسطورة عن كاهن حلت عليه اللعنة بل استعارة عن الإنسان نفسه: حين يطلب ما يفوق قدرته، تتجسد خطيئته في كيانه ، ربما لهذا، تبقى شجرة البيبال التي تسكنها أرواح الكهنة التائهين رمزاً للحد الفاصل بين العلم المقدس والجنون الماورائي.
نبذة عن كمال غزال




0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .