7 سبتمبر 2025

المريمية : طقس لطرد الأرواح وتطهير الأماكن المسكونة

المريمية - طقس إحراق لطرد الجن والتطهير الأماكن المسكونة
إعداد :  كمال غزال

تنتشر عادة حرق المريمية أو ما يعرف بطقس التبخير"Smudging" في العديد من الثقافات القديمة والحديثة، كوسيلة لطرد الأرواح الشريرة وتطهير البيوت أو الأماكن المسكونة من الطاقات السلبية. وقد تطورت هذه الممارسة عبر القرون من طقس روحاني مقدس لدى الشعوب الأصلية، إلى عادة عالمية يمارسها الناس اليوم لأسباب روحانية أو حتى جمالية ، لكن هل لهذه العادة أساس حقيقي ؟ أم أنها مجرد تأثير نفسي ورمزي ؟ 


الجذور التاريخية والروحانية

يُعد حرق المريمية من أهم الطقوس لدى الهنود الحمر، خصوصاً قبائل مثل اللاكوتا والشيروكي والنافاهو ، كانوا يطلقون على المريمية "النبات المقدس"، ويعتبرون دخانها جسراً يربط بين العالم الأرضي وعالم الأرواح ، استخدموا هذا الطقس في مناسبات عديدة ، مثل تطهير مكان جديد قبل السكن فيه ، أو تحضير المحاربين قبل المعارك ، أو حماية الأطفال والنساء من الأرواح الشريرة أو حتى فتح بوابات للتواصل مع الأسلاف في الطقوس الروحية ، كان الكاهن أو الشامان هو المسؤول عن حرق المريمية، ويرافق الطقس ترانيم وأناشيد مقدسة.

حتى اليوم، تعتبر هذه الممارسة طقساً مقدساً لدى بعض القبائل، ويُنظر إلى استخدامها التجاري خارج السياق الثقافي الأصلي كنوع من الاستيلاء الثقافي.

أما في أوروبا القرون الوسطى، كان الناس يحرقون أعشاباً مثل إكليل الجبل والمريمية خلال الأوبئة، لاعتقادهم أنها تقتل "الأرواح الممرضة" أو تمنع دخول الشياطين إلى البيوت.

وفي بعض مناطق الشرق الأوسط، خصوصاً في المغرب والعراق، اعتاد الناس تبخير البيوت بالمريمية أو الحبة السوداء لإزالة "الحسد" أو "العين" أو لإرضاء الجن ، هذا الاستخدام اختلط مع الممارسات الإسلامية الشعبية، رغم أن القرآن والسنة لم يذكرا المريمية كوسيلة لطرد الجن.

الرمزية الروحية للمريمية

النار عبر التاريخ ارتبطت بـالتطهير والتحويل، فهي تحوّل المادة إلى دخان يتصاعد نحو السماء ، في طقس المريمية، يتم حرق النبات كرمز لحرق كل الطاقات السلبية والأرواح الشريرة ، حيث يُعتقد أن تصاعد الدخان يملأ المكان ويطرد كل ما هو خفي وغير مرغوب فيه ، تعطي رائحة المريمية النفاذة إحساساً بالتغيير والتنظيف ، هذا الإحساس النفسي يعزز اعتقاد الشخص بأنه أصبح في مكان آمن وطاهر روحياً.


كيفية ممارسة الطقس

طقس حرق المريمية يتبع خطوات محددة، خصوصاً في المدارس الروحانية الحديثة:

الأدوات المطلوبة

- حزمة مريمية مجففة (Sage Bundle).

- وعاء مقاوم للحرارة (عادةً مصنوع من السيراميك أو المحار البحري).

- ريشة أو مروحة صغيرة لتوجيه الدخان.

- ولاعة أو شمعة لإشعال الحزمة.

الخطوات

التحضير الذهني : يبدأ الشخص بالتركيز والتأمل، وربما تلاوة دعاء أو ترنيمة، لإعداد النية ، الهدف هو تحديد ما يريد طرده: أرواح شريرة، طاقة سلبية، مشاعر سيئة...

إشعال الحزمة : تُشعل أطراف المريمية حتى تتوهج وتصدر دخاناً كثيفاً ، يتم إطفاء اللهب وترك الجمر يشتعل ببطء.

تطهير المكان : يبدأ الشخص من باب البيت، ويمر في جميع الغرف، موجهاً الدخان نحو الزوايا، النوافذ، الأبواب، والخزائن ،يردد كلمات طرد أو دعاء، مثل: " ليغادر كل شر هذا المكان، وليبقى الخير والنور فقط."

تطهير النفس : يمرر الدخان حول جسده، بدءاً من الرأس نزولاً إلى القدمين.

إطفاء الحزمة : تُطفأ بضغطها على الرمل أو التراب، ثم تُخزن لمرة أخرى.

المريمية في الأماكن المسكونة

في البيوت التي يُعتقد أنها مسكونة بالجن أو الأرواح، يستخدم البعض المريمية كخط دفاع أول وهذا مبني على اعتقاد الشعبي مفاده أن الأرواح لا تحتمل رائحة المريمية، وأن الدخان يقطع " الروابط" التي تربطها بالمكان ، حتى أن بعض فرق "مطاردة الأشباح" في الغرب تبدأ حملاتها بحرق المريمية قبل وبعد التحقيق لحماية الفريق.

أحياناً يُدمج طقس حرق المريمية مع الماء المقدس في بعض التقاليد الروحانية لطرد الأرواح الشريرة وتنظيف البيوت.

- في الروحانيات الحديثة والكنيسة الكاثوليكية، يتم رش الماء المقدس على الأبواب والزوايا أولاً لخلق حاجز حماية، ثم تبخير المكان بالمريمية لطرد الطاقات السلبية.

- عند بعض قبائل الهنود الحمر، الماء يُستخدم بشكل رمزي، مثل غمس الريشة أو رش نقاط في الاتجاهات الأربعة.

- في الثقافات الشعبية الإسلامية، قد يُستخدم الماء المقروء عليه قرآن مع التبخير بالأعشاب، لكن هذا تقليد شعبي وليس عبادة.

 الماء يمثل البركة والنقاء، بينما الدخان يمثل الطرد والتحويل، والجمع بينهما يخلق شعوراً بالقوة والحماية ، يعزز الدمج بين الدخان ورش الماء إحساس الأمان والسيطرة، حتى لو لم يكن هناك دليل مادي على طرد الأرواح.

التفسيرات العلمية والنفسية

1-  الخصائص الكيميائية

أثبتت دراسات مثل تلك المنشورة في Journal of Ethnopharmacology (2007) أن دخان المريمية يقلل من نسبة البكتيريا والميكروبات في الجو بنسبة 94% لمدة تصل إلى 24 ساعة ، هذا يعني أن الدخان "يطهر" المكان فعلياً من الجراثيم، مما يعطي شعوراً حقيقياً بالنظافة.

2- التأثير النفسي - تأثير البلاسيبو Placebo Effect

عملية الحرق بحد ذاتها تُحدث طقساً رمزياً قوياً يشعر الإنسان خلاله أنه استعاد السيطرة على المكان ، هذا التأثير النفسي يقلل القلق والخوف، مما قد يجعل الشخص يعتقد أن الأرواح غادرت بالفعل. إقرأ المزيد عن تأثير البلاسيبو.

3- التفسير الفيزيائي للأصوات والظواهر

بعض الظواهر التي تُنسب إلى الأرواح، مثل الأصوات أو الظلال، قد تكون بسبب: اهتزازات في الجدران أو الأسقف ، تيارات هواء تحرك الأبواب ، غازات مثل أول أكسيد الكربون التي تسبب هلوسات ، لكن عند تهوية البيت بالدخان تختفي بعض هذه الظواهر، فيظن الناس أن الأرواح قد رحلت. إقرأ المزيد عن التقسيرات العلمية لظواهر المكان "المسكون".

الجانب التجاري الحديث

في الأسواق الغربية، أصبحت المريمية منتجاً تجارياً ضخماً، تباع في متاجر الطاقة والطب البديل بأسعار مرتفعة ، هذا أدى إلى استغلال مفرط للنبات، مما يهدد بعض الأنواع البرية بالانقراض، خصوصاً نوع المرميمية البيضاء  "White Sage" في كاليفورنيا ، لكن بعض قبائل الهنود الحمر اعتبرتها إهانة ثقافية، لأن المريمية بالنسبة لهم ليست مجرد منتج، بل طقس مقدس.

طقس حرق المريمية يجمع بين الإرث الثقافي القديم والرمزية الروحية، إلى جانب بعض الفوائد العلمية الحقيقية في تعقيم الهواء ، لكن الاعتقاد بقدرتها على طرد الأرواح الشريرة يعتمد بشكل كبير على الإيمان الشخصي والتأثير النفسي  ، في الأماكن المسكونة قد تمنح المريمية شعوراً بالراحة، لكنها لا تغني عن البحث عن الأسباب الفيزيائية للمشكلة 

في النهاية، يمكن اعتبارها أداة رمزية تساعد على استعادة التوازن النفسي، لكنها ليست سلاحاً حقيقياً ضد العالم الخفي.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ