في سماء الطقوس الغامضة التي تملأ مخطوطات السحر العربي، يبرز اسم ميمون السحاب كأحد أشهر الكائنات غير المرئية التي يُقال إنها تراقب البشر من طبقات الجو العليا.
إنه ليس من الملوك العظام الذين ذُكروا في "شمس المعارف" أو "الرسائل الكبرى"، بل هو من تلك الأرواح الهوائية التي تتناقلها الألسن في أروقة السحرة والمشعوذين، خاصة في بلاد المغرب العربي والسودان.
من هو ميمون السحاب ؟
ميمون السحاب، ويُعرف أيضاً بـ"الجن الطيار"، هو أحد الجن العلويين الهوائيين حسب تصنيفات السحر التراثي، ويُشار إليه بوصفه: " خادم التنقل السريع، وكاشف الغيب الهوائي."
ورغم ندرة ذكره في المؤلفات الكلاسيكية كـ"شمس المعارف الكبرى" أو "منبع أصول الحكمة"، إلا أن حضوره قوي ومهيمن في المخطوطات الشعبية وفي الروايات الشفوية لدى السحرة العمليين في المغرب وتونس والسودان، حيث يُستدعى لأداء مهام محددة تتعلّق بالكشف، التتبّع، والنقل الروحي.
تصنيفه ضمن طيف الجن
يعتبر من الجن العلوي وطبيعته خفيفة وسريعة ، ومن حيث تصنيفه السحري فهو خادم مستقل لا يتبع مباشرة ملوك الجن السبعة، لكنه يُقال إنه يعمل أحياناً تحت إمرة "شمهروش" أو "ميطا طرون" حسب بعض المخطوطات التصنيفية ، ويُستخدم في الطقوس الرمادية أي تلك التي لا تقع ضمن الخير أو الشر الصريح، بل ترتكز على الكشف والتجسس الروحي.
صفاته ووظائفه في الطقوس السحرية
ميمون السحاب لا يُستدعى عبثاً، بل يظهر في طقوس دقيقة وموجهة تتعلّق بالكشف أو السمع الروحي:
- التجسس الروحي: سماع ما يُقال في أماكن بعيدة أو خلف الجدران.
- كشف الخيانة الزوجية أو الأسرار الشخصية.
- إيجاد شخص مفقود أو غائب دون أثر مادي.
- نقل الرسائل الروحية من جنّ آخر في طقوس الاستحضار المتسلسلة.
- تفسير الغموض حول نية شخص أو حادث غير مفهوم.
طريقة ظهوره
لا يظهر ميمون السحاب في شكل جسدي واضح كما تفعل بعض الكيانات، بل يظهر كوميض خاطف أو كطيف ضبابي بين السحب ، أحياناً يستشعرالساحر بمروره كنسمة تحمل صوتاً هامساً في أذنه أو في الوسيط الروحي.
تحذير روحاني
يُقال إن استدعاء ميمون السحاب بشكل متكرر أو بدون هدف واضح يؤدي إلى تشويش ذهني ، تسلل ووساوس، فقدان التركيز أو الوقوع في توهمات حسية.
ارتباطه بالكواكب والعناصر
عنصره الهواء وهو سريع وذكي لا يحتمل البطء ، كوكبه عطارد وهو كوكب التواصل والرسائل والحركة والمكر ، الأربعاء هو اليوم المناسب للاستحضار وهو يوم عطارد، ويُفضّل أن يتم الاستحضار عند الفجر أو قبل غروب الشمس حين تكون الرياح خفيفة ، البخور المفضل في استحضاره هو اللبان الذكر مع قشور الليمون والنعنع اليابس ، إقرأ عن استخدام النباتات في السحر.
البلدان والموروثات التي تذكره
المغرب
يُستحضر في طقوس كشف الخيانة الزوجية، وخاصة عبر "النوم على نية الرؤيا" حيث تُستخدم بعض الأعشاب (مثل الشيح) والبخور الهوائي لتهيئة الأجواء لاستدعائه.
تونس والجزائر
يُذكر ضمن ما يُعرف بـ"مخطوطات الهوائيين"، ويُعتبر خادماً للسحب والغيم ، يتصل باستدعاء المعلومات من "الرياح الأربعة" وهي مفهوم شائع في التصوف والسحر المغاربي.
السودان
يُحضر ضمن طقوس "الريح الطيّارة"، التي تُمارس غالباً في العراء المفتوح أو في ساحات الرمل، حين تهب نسائم المساء ، ويُقال إن رده يأتي على هيئة همس في أذن الساحر أو صوت يُسمع من بعيد.
مصر
ذكره نادر نسبياً، لكنه يُلمح له أحياناً في تقاليد السحر الريفي أو "السحر الزراعي"، حيث يُقال عنه "ريح مُرسلة".
صلته بالأساطير الجوية
يُعتقد أن ميمون السحاب كان مصدر إلهام لبعض الأساطير القديمة عن أرواح الغيم والملائكة الساقطين الذين يتنقّلون في طبقات السماء الدنيا والرياح الحاملة للرسائل في الموروثات الغنوصية والصوفية.
هل هو شيطان أم خادم طيفي ؟
هنا تتقاطع التفسيرات ، في المنظور الإسلامي التقليدي يكون أي استحضار لكائن غير مرئي من الجن أو الأرواح محرماً شرعاً ويُعتبر استنجاداً بالشيطان ، أما في منظور السحر الشعبي فهو خادم طيفي لا يتدخل في قرارات الساحر بل ينفذ ما يُطلب منه ، وفي طرق الصوفية - خاصة في المغرب ، فترى أن الكائنات الهوائية مثل ميمون السحاب قد تكون أرواحاً متحررة وليست جنّاً بالضرورة، بل وسطاء بين العالمين.
كتب ومخطوطات ورد فيها
رغم غيابه عن الكتب الكبرى، إلا أن اسمه يظهر في مخطوط "الهوائيين السبعة" وهو مخطوط مجهول النسب مغربي الأصل ، وذكر أيضاً في "كتاب كشف السرائر" الذي كان ذكره عابراً ككاشف للغيب عبر السحب ، وتراه في مخطوطة "الريح الطيارة" السودانية وفيها طقس لاستدعائه عبر رسم رموز في الرمال.
ميمون السحاب ليس ملكاً من ملوك الجن، لكنه في عوالم السحر العربي أمير للخفّة والسرعة والمعرفة الطيّارة، لا يمكن الإمساك به، ولا يُستدعى للهو، بل يُطلب حضوره حين تكون الحاجة واضحة، والنوايا خفيفة، والليل ساكن، والهواء هادئ... ليمرّ من فوقك كهمسة لا تُنسى.
إقرأ أيضاً ...
- أبرز شخصيات الجن في طقوس السحر العربي
- شمهروش قاضي الجن : بين السحر والقداسة
- الملك طارش: خازن الكنوز المرصودة وسيد العمار
- أبو محرز الأحمر: سيد النار والدم
- استخدام النباتات في طقوس السحر والشعوذة
- طقوس كناوة : إحتفالية ملوك الجن
- وثيقة الشيطان التي أدانت كاهناً بالحرق
- شمس المعارف الكبرى : أبرز مرجع "إسلامي" في الشعوذة
- الكيانات الخفية : بين التسخير والانسجام
- كتاب "مفتاح سليمان" : أبرز مرجع في الشعوذة الغربية
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .